التعهد المذل والخطير

لا أدري لماذا تذكرت الطغاة ورؤساء الاستخبارات، وأجهزة الأمن السرية، ومحاكم التفتيش الأسبانية، وقوات أمن طالبان، ومخافر قندهار، وأنا أقرأ، بحزن، «الإقرار والتعهد» الذي أصدرته وزارة التربية، الذي فرض على كل معلم ومعلمة في التعليم الخاص توقيعه، بصرف النظر عن ديانته، معتقده، جنسيته، أو لغته!
 
لقد حذرنا كثيراً من «وثيقة القيم»، التي أخطأ البعض في التقليل من خطورتها، ويتبين اليوم كم كنا محقين في تخوفنا، فما يحدث لا يمكن أن يكون بغير مباركة حكومية، فهذا التعميم المسخرة يفرض على المدارس الخاصة توقيع كل معلميها عليه، وتعهدهم العلم والالتزام بمضمونه، وبتعاليم الدين الإسلامي وتقاليد المجتمع الكويتي والنظام والآداب العامة، في خطوة تمهد لفرض وصاية التيارات المتشددة على جميع مفاصل الدولة، وكأن الكويت مجتمع جاهلي كافر جاهل لا يعرف من الدين شيئاً، وكل فرد، أو معلم، قنبلة مثلية، ومشروع فجور وإباحية، وبحاجة إلى إعادته لوعيه!

إن ما يحدث في التعليم الخاص، وفرض هذا التعهد على مدرسي ومدرسات هذا القطاع، جريمة أخلاقية وفرض وصاية، وسيمتد ليشمل بقية مدرسي الحكومة، فشهية هؤلاء المتخلفين لا تشبع.

الكارثة أن نص الإقرار، الذي ينبغي على كل معلم توقيعه، يفرض عليهم الالتحاق ببرنامج تأهيلي تدريبي قبل مباشرة التدريس، وأن يشهد بأنه اطلع على دليل الإرشادات المعد لذلك للتعريف، وتقاليد المجتمع الكويتي المسلم، وأحيط علماً بنظامه العام وآدابه، وأنه يقر بعلمه التام بالمواضيع التي يجب عدم التطرق إليها وإثارتها في الفصل أو طرحها، وأن يعود إلى إدارة المدرسة بكل ما يخفى عليه من الدليل «الطالباني» الإرشادي!

كما تضمن الإقرار تحمل المعلم المسؤولية التي تترتب على مخالفته هذا التعهد، وعلمه بحق الوزارة والمدرسة في إنهاء عمله، في حال مخالفته. كما ينص في ملاحظاته على أنه يشكل أحد مسوغات موافقة الوزارة على عمل المدرس.

إن قبول هذه التعليمات، وهذا الإرهاب الفكري، يعني وقوع «التربية» في براثن التيارات المتشددة، خصوصاً أن الكثير من الأمور في التعهد تخضع للنسبية ولمزاجية الإدارة والتعليم الخاص، وسيف مسلط على رقاب جميع المعلمين، بصرف النظر عن جنسياتهم، دياناتهم أو معتقداتهم، علماً بأن إلزامهم تلك التعليمات سيكون حاجزاً أمام إبداعهم، إذ سيحسب المعلم ألف حساب لأي فكرة جديدة أو مبادرة يحلم بتطبيقها في ظل هذا التشدد، الذي قد يؤدي مخالفته إلى الفصل من العمل.

كما أن هناك نسبة عالية من المدرسين من غير العرب وغير المسلمين، فما ذنب هؤلاء لإجبارهم على توقيع تعهد مذل، بلغة لا يعرفونها، ودين لا علاقة لهم به؟
***
قال وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد عبداللطيف آل الشيخ إن المملكة اكتوت في ما مضي بأذى وشر أصحاب الفكر الصحوي «الإخوان». وأكد أنهم دفعوا بشباب بسطاء للفتن والدعوة للجهاد، مشدداً على انتهاء الحقبة بلا رجعة. وأضاف: عانيت من الإجرام الممارس ضدي وضد أسرتي، وقد يكون إبليس أرحم منهم. كما قاموا بالتجريح والتشويه والإيذاء، ولفقوا التهم لأولادي وهم يدرسون في الخارج.

فهل نتعظ؟

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top