انتصارات الممثلين

ليس هناك أسرع منا في إطلاق أوصاف السخرية والتهكم على من نكره، أو من لا يعجبنا شكله، ونشمل برأينا العالم كله، تقريبا!

فهذا الزعيم مجرد ممثل، وذلك ما هو إلا «مثليّ ضائع»، وثالث أملط أو أصلع، أو بلا شوارب، أو غير معروف النسب، أو متواضع الأصل، أو كافر أو ماسوني إلى آخر الأوصاف التي أصبح العالم المتقدم لا يعيرها أية أهمية، فالأفضل والأكثر فائدة للبشرية والأكثر إبداعا، ومن يتحلى بالكفاءة والسمعة والأمانة والإنجاز، وليس ابن العائلة، أو صاحب المظهر الجميل، من يستحق التقدير والاحترام. وبالتالي من الخطأ إطلاق العنان لغرائزنا وأهوائنا عند تقييم الغير، وضرورة تجنب إعطاء الأصل والفصل، وابن العم، أكثر مما يستحقون!
***
وصف البعض يوما الرئيس رونالد ريغان، عندما ترشح للانتخابات الأميركية، بأنه ممثل فاشل، لم يبرز حتى في فيلم واحد، لكن هذا الممثل الفاشل نجح، وبأقل التكاليف، في الإسراع بإطاحة أعظم قوة عسكرية في التاريخ، ورائدة الشيوعية، من خلال إدخال الرعب لقلب قادتها، ودفعهم للصرف بجنون على برامج التسليح، والدخول في سباق «منهك» مع أميركا، مما أدى في النهاية لانهيار الاتحاد اقتصاديا وسياسيا، وحتى أخلاقيا.

كما نجح ريغان في تخفيض التضخم في أميركا من %14.5 إلى %4.4 وحصل «الممثل الفاشل»، في ولايته الثانية، على أعلى عدد من أصوات الناخبين في تاريخ الرئاسة الأميركية، على عظيم إنجازاته الاجتماعية والاقتصادية الباهرة!

في السياق نفسه، وصف كثيرون الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي»، بالألعوبة و«المثلي» والممثل الكوميدي الفاشل، وغير ذلك من أوصاف، ولكن ما إن أعلنت «روسيا الأم» حربها على «أوكرانيا» حتى أثبت الممثل السابق، الرديء الأداء على المسرح، أنه أفضل أداء من غرمائه في ميدان المعركة، عسكريا وسياسيا، حيث ساهمت مواقفه الصلبة في إلهام شعبه ليقاوم الغزاة بشراسة لم يتوقعوها منه، وليصمد أمام الدب الروسي لأشهر طوال، لتنقلب الموازين تاليا لمصلحته.

ولد المحامي «زيلينسكي» في أسرة تنتمي للأقلية اليهودية الصغيرة، عام 1978 وأصبح رئيسا في 2019 وحصل على اعتراف واحترام العالم كزعيم لأوكرانيا.

بصرف النظر عن الأسباب، وفي مخالفة لكل قرارات الأمم المتحدة، شنت روسيا حربا على بلد مستقل، لأنها ربما لم تتقبل فكرة خسارة أوكرانيا التي كانت تشكل الجوهرة في تاج الاتحاد السوفيتي. فالكثير من قادة الاتحاد، وأبرز علمائه، وخبرائه ومبدعيه كانوا من أوكرانيا. كما أنها خزان الطعام والمعادن الثمينة والعقول المتقدمة، وخسارتها كانت شديدة الوقع على روسيا، وهذا التخوف هو الذي دفع الأوكرانيين للتقرب من الغرب، ما أثار الروس أكثر، فأعطوا لأنفسهم الحق في قضم القرم منها بالقوة عام 2014، وسط رفض عالمي شامل، ليتبعوا ذلك بغزوهم الشامل لأراضيها في فبراير الماضي، واستقطاع أجزاء كبيرة منها، ولينتهي الأمر برمته بما يشبه الفشل العسكري الأكثر إهانة لهيبة القيصر الجديد!

تعتقد الـcia أن القوات الروسية أصبحت تواجه ليس فقط مقاومة أكبر مما توقعت، بل وهجوما مضادا ليس بإمكانها وقفه، مع تدفق المساعدات الغربية على أوكرانيا، وهذا ما فشلت المخابرات الروسية في توقع زخمه، حيث بلغ عدد قتلى الجيش الروسي، على أقل تقدير، 100 ألف جندي، وما يماثل ذلك من الأوكرانيين، هذا غير الخسائر في أرواح المدنيين، وخسارة أكثر من نصف تريليون دولار من الممتلكات!

حدث كل ذلك بسبب قرار فردي اتخذه من لا يردّ له قرار!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top