يوم أُعطيَ «الدفاع».. فرفضها

أعطوه حقيبة وزارة الدفاع، فرفضها. عرضوا عليه حقيبة الأوقاف، فاستهجنها. أغروه بـ«الداخلية»، فتمنع عنها!
احتاروا في أمره وخيروه فيما يريد، فطلب منهم على استحياء.. وزارة التعليم!

في المساء، وأثناء انعقاد مجلسه المعتاد، تندر أصحابه عليه، وعلى جهله، وقلة فهمه لرفضه أن يكون وزيراً للدفاع أو الداخلية، حيث المال والنفوذ والقوة، أو الأوقاف، حيث الأجر والبركة، وكيف اختار وزارة لا تهش ولا تنش، مثقلة بالمشاكل، ولا حل لأوضاعها، فابتسم الوزير وقال لهم: دعوني أتقلد حقيبة وزارة التعليم، وخلال عقود قليلة ستكون وزارتا الدفاع والداخلية، ومنتسبو كل الوزارات المهمة الأخرى تحت أيدينا في الحزب. فتغيير الفكر وطريقة الفهم، وزرع مفاهيم «دينية حزبية» محددة في أذهان وعقول الأجيال القادمة، هو الذي سيوصلنا لما نريد، وليس النفوذ المؤقت والمال الزائل الذي يمثله تقلد حقيبة هذه الوزارة أو تلك!
***
ما نراه اليوم من مخرجات غير مرضية أو لا تتماشى مع العصر وتعود بأفكارها لأزمان ومفاهيم وأسلوب حياة وزمن مضى ما هي إلا نتيجة تسليم كل، أكرر كل، مقاليد التربية والتعليم في البلاد، وعلى مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية لقوى دينية متشددة ومغالية في أفكارها فعاثت في الوزارة ومقدرات مدارسها كما شاءت، ولم تكن، من منظورها، على خطأ عندما اختارت قياداتها زرع أعوانها من وكلاء ومديرين ينتمون لها في كل مفاصل التعليم العام والتطبيقي والجامعي، وحتى الخاص، وغيرها من الجهات التدريبية والتعليمية، وها نحن نحصد ما زرعناه، أو ما رضينا بزراعته!

كما نتج عن توافر هؤلاء المغالين في قطاعي التربية والتعليم، وسيطرة الأحزاب الدينية على أنشطتها، أن المخرجات الانتخابية الأخيرة تضمنت أعداداً أكبر من نواب متشددين مقارنة بكل المجالس السابقة، وهؤلاء يشابهون في فكرهم ومواقفهم من علموهم، وسيؤثرون بدورهم في غيرهم لتكتمل حلقة الإطباق على مقاليد الدولة، وما نتج سينتج عن ذلك من تخلف وتردٍّ في أوضاع مختلف وزارات وهيئات ومجالس الدولة، وانخفاض مستوى الذوق العام، مع تراجع الثقافة، وعدم الاكتراث بالأدب، واحتقار مختلف الفنون، هذا غير توافر بطالة مخيفة من مخرجات مدارس «التلقين والحفظ»، من خريجي «التطبيقي» و«التعليم الديني»، و«الشريعة» الرافضين للعمل في أي من المجالات التي «تخصصوا» فيها وعيونهم شاخصة نحو وظائف التحقيقات والنيابة وحتى القضاء!

لا تلام جهة على الكارثة التعليمية التي نعيشها كما تلام الحكومات المتعاقبة التي سمحت للأحزاب الدينية بالعبث بالمقررات على مدى يقارب نصف القرن، على الرغم من أن غالبية وزراء التربية والتعليم الـ25 منذ الاستقلال وحتى اليوم كانوا، مجازاً، من الليبراليين، إلا أن جميعهم لم يتوافر لهم الوقت للقيام بشيء، أو لم يُسمح لهم بالتدخل في شؤون الوكلاء والوكلاء المساعدين، الذين نجحوا في تطويع مناهج مختلف المراحل لتتناسب مع طموحاتهم في الوصول لغاياتهم الخطيرة.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top