المثلية ... بدأت مع البشرية

المثلية كانت هنا منذ الأزل، وستبقى، وهي جزء من حياة أسر كثيرة، ولم ولن يجدي الإنكار يوما في علاجها أو تناسيها، فالحقيقة تخترق عين كل مكذّب. فالمثلية، أو أية تسمية غيرها، كانت جزءا من تاريخ البشر وتكوينهم! فمثل ما كان هناك بشر يولدون ولديهم عاهات دائمة، واختلافات "خلقية" عن غيرهم فيما يتعلق بلون البشرة والطول وقوة البصر وكثافة الشعر ونسبة الذكاء وغير ذلك، فمن الطبيعي أن يولد البعض باختلافات جنسية أو جسدية عن غيرهم، وبالتالي لا داع للاستغرب من وجود نسبة لديها ميول جنسية تخالف ما يريده أو يتوقعه المجتمع منها. وقد حاول مبشرون وأباطرة ودكاترة طوال التاريخ القضاء على هذه الظاهرة الجنسية، ولكنهم فشلوا جميعا، ليس لما يشكله المثليون من قوة، والعكس هو صحيح، بل لأن المسألة تتعلق بالتكوين الجسدي لهؤلاء، وهذه حقائق علمية معترف بها، فهؤلاء وكل أصحاب الإعاقات الأخرى، جزء مما يسمى بالdefault المتوقع من كل منتج، ووجودهم جزء من وجود البشر، أما من يقرر من هو السوي ومن هو الشاذ فهذا سؤال ليس من السهل تقبل "الإجابة المنطقية" عليه، ولكن من العدالة القول إن من يقدم فائدة عظيمة لمجتمعه وللبشرية، سواء من خلال ما يقوم باكتشافه أو اختراعه، ولو كان شاذا جنسيا بنظر البعض، أفضل بكثير من الشخص "الكامل الأوصاف جنسيا" الجالس في بيته مكتفيا بالأكل والشرب، دع عنك الخائن لوطنه أو القاتل، أو المجرم صاحب السوابق! وبالتالي إن كان شخص ما "مثليا، وغيره "سويا"، بنظر مجتمع ما، فإن ذلك لا يعني شيئا بنظر الإنسان المنصف والعاقل. فالتاريخ والعدالة والإنسانية ستخلد اسم الأول إلى الأبد، وستنسى الثاني، كمليارات غيره من البشر الذين ولدوا وعاشوا وماتوا "على الهامش"، وهم من "الأسوياء"! وسبق أن كتبت مقالا عن فضل العالم الإنجليزي "آلان تورينغ"، الذي عانى من تهمة "المثلية"، وكان له دور في تغيير مسار الحرب العالمية الثانية، عندما نجح في فك شفيرات كمبيوترات هتلر العملاقة، "الإنيغما"، وأدى اكتشافه لإنقاذ أرواح الملايين من موت محقق على يد النازيين!
وفي السياق نفسه، ورد في مقال جريء للزميل "سامي النصف"، في النهار، بأن علينا طرح أسئلة أولها هل بعض المثليين مخيَّرون أم مسيَّرون في هذا التوجه؟ ولماذا يختار البعض أن يكون مثليا ويعلن ذلك في مجتمع ظالم لهم، وهم على علم بخطورة ذلك عليهم، واحتمال فقدهم لوظائفهم، أو سجنهم، بخلاف احتمال تعرضهم للتعدي اللفظي والجسدي، والرفض المجتمعي؟ وقال بأن المثلية ليست ظاهرة عارضة أو مؤقتة وستختفي يوما، بدلالة وجودها منذ آلاف السنين عبر القصص القرآنية والأحاديث النبوية وغيرها من مراجع!
ويطرح النصف تساؤلات محقة؛ كيف يفترض التعامل مع من اتفق الأطباء والعلماء علي اِنْهَ خلق بشكل مخالف للغالبية؟ أي أنثى خلقت في جسد رجل أو العكس؟ هل من العدالة عقابهم على ما لا دخل لهم فيه؟ وماذا إن لم يمارس هؤلاء الجنس، وكانوا من الملتزمين بكافة أحكام الدين، في وقت تمتلئ فيه السجون وأوكار الرذيلة بالسويين من رجال ونساء غير مثليين؟ وهل من العدالة أن نعاقب «المثليَّ» غير المنحرف، ونغض النظر عن غير المثليِّ المحصن الذي يرتكب كل الموبقات؟
*
ملاحظة: لست مثليا، ولا أعرف أي مثلي معرفة شخصية، ولكني مؤمن بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تعطي لهؤلاء حقوقا مساوية لغيرهم!
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top