شؤون وشجون ودموع الجنسية

لم يثر موضوع كل هذا الكم من اللغط والخلاف والصراع والدموع وحتى الدماء، هذا غير الخيبة والأمل وخيبة الأمل والغش والتزييف وشهادة الزور والكذب، مثل موضوع الجنسية الكويتية!
حدث كل ذلك ليس حباً بالوطن، بل غالباً طمعاً في ما تمنحه لحاملها من مزايا، وبغيرها ما اختلف وضعها أو الرغبة في الحصول عليها عن غيرها. كما أن غالبية من يطالبون بها الآن، أو يتمنون الحصول عليها، سيتخلون عن طلباتهم متى ما ألغيت الامتيازات، وفرض بدلاً عنها الالتزامات والضرائب، وكل هذه أمور آتية لا محالة.
***
صدر قانون الجنسية في ديسمبر 1959، مع الانتهاء من الإحصاء العام سنة 1957، الذي عشت وقائعه، ولا تزال تفاصيل زيارة المندوبين للبيوت عالقة في ذاكرتي، ورأيت كيف تخفَّت بعض الأسر من لقاء هؤلاء خوفاً من نواياهم!

جاء قانون الجنسية استجابة للمتطلبات الضرورية لانتقال الدولة للمدنية والحداثة، ورغبة في تحديد هوية للمواطن تميزه عن غيره، مع وضع خطط مشاركته في الثروة الجديدة التي جاءت مع تصدير النفط، والبدء بتوزيع عائداته على الجميع في شكل خدمات، ومنح وعطايا.

ولأجل ذلك تقرر تكوين أربع لجان تعمل تحت إشراف لجنة عليا برئاسة الشيخ سعد العبدالله السالم، وعضوية نصف يوسف النصف، ويوسف الفليح، وعبدالحميد الصانع، وحمد المشاري، ومحمد يوسف النصف، وحمد صالح الحميضي.

تضمن قانون الجنسية 21 مادة، وتم في السنوات التالية، وبعد التحرير مباشرة، تغيير وتعديل بعض أهم تلك المواد.

كان غالبية السكان، في أواخر خمسينيات القرن الماضي يعيشون ببساطة، وأحياناً بصورة غير مستقرة، خاصة في البادية والسفر والتجارة البحرية، والإقامة في الخارج، لذا لم تصل البعض منهم مواعيد انعقاد لجان الجنسية الأربع، إلا متأخرة. ومع انتهاء عمل اللجان تمت الدعوة في ديسمبر1961 لانتخابات المجلس التأسيسي المعني بوضع دستور البلاد. ولعل كشوف الناخبين للمجلس التأسيسي هي الوثيقة الرسمية التي تحمل أسماء كل الكويتيين بصفة أصلية، والتي يمكن لكل مستحق للجنسية الكويتية الاحتجاج بها اليوم، سلباً أو إيجاباً، مع مراعاة ما صدر من قوانين، بعد التحرير، نتجت عنها زيادات كبيرة في أعداد حملة الجنسية الأصلية، وبعد قرابة 34 عاماً على إغلاق باب منحها المواطنين الذين كانوا في الكويت قبل سنة 1920، وكانوا محافظين على إقامتهم العادية فيها إلى يوم نشر قانون الجنسية، ولكن هذه قصة أخرى.. وذات شجون!
***
تعينت لجان الجنسية الأربع بموجب القانون رقم 15ـــ‏1959 وتم اختيار أعضائها ومناطق اختصاصها، حيث تشكلت الأولى من حمود النصف، رئيساً، وعضوية حجي مكي الجمعة، وأحمد يعقوب المحميد، ومحمد جاسم المضف، وجاسم إبراهيم المضف.

أما الثانية فقد عين لها عبدالعزيز عبدالله الحميضي، رئيساً، والأعضاء إبراهيم العدساني، وناصر العيسى السعد، وسليمان عبداللطيف العثمان، ويوسف النفيسي.

وتشكلت الثالثة من سعود عبدالعزيز العبدالرزاق، رئيساً، وعضوية حسن الجارالله، وعلي صالح الفضالة، وخالد الرقم، وعبدالعزيز القطيني.

وتشكلت الأخيرة من سليمان إبراهيم المسلم، رئيساً، والأعضاء أحمد البشر، وعلي الطويرش، وعبدالرزاق البصير، وعبدالصمد معرفي.
***
كانت اللجان الأربع تتبع اشتراطات محددة في منح الجنسية منها امتلاك بيت سكن، أو أرض، وجواز سفر، أو أية وثائق أخرى، مع توافر شهود.

كما أعطت «الحكومة» حينها بعض شخصيات البادية أختاماً يختمون بها أوراق سكان بادية الكويت، قبل قدومهم لمقابلة لجان الجنسية المعنية، كإثبات على انتمائهم للكويت. ودار لغط حول تصرف قلة من هؤلاء، وكيف لم يحسنوا استخدام تلك الأختام، كما دعت مديرية الشرطة والأمن العام أفراد الشعب الكويتي المقيمين في المدينة وفي القرى وكل المناطق الخارجية والمستوطنين في الكويت قبل سنة 1920 وبعدها حتى سنة 1954 وكانوا محافظين على إقامتهم العادية طوال هذه المدة إلى مراجعة مكتب تحقيق الجنسية في «القبلة»، وأما أفراد البادية ففي مكتب تحقيق الجنسية في «الشامية»، مع مستندات الإثبات.

كما كان منح الجنسية يتم بموافقة اثنين من أعضائها، ولكن باقتراح من «سعود العبدالرزاق» وافق الشيخ عبدالله السالم، على منح العضو «علي صالح الفضالة» حق الموافقة منفرداً على أي طلب، لتخصصه في معرفة أنساب أهل الكويت.

مما ورد أعلاه نجد أن الفئات التي شُكلت منها لجان الجنسية مثلت بشكل قريب من الواقع سكان الكويت حينها، وبعد 60 عاماً أصبحوا أقلية!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top