هل الهندوسية ديانة؟

لا يُعرف بالضبط أين ومتى بدأت الهندوسية، لأنها تجمع بين فلسفات وممارسات مختلفة تطورت عبر التاريخ، وهناك شبه اتفاق على أنها تعود للفترة من 2300 إلى 1500 قبل الميلاد، وان البداية كانت في وادي السند، واختلطت مع معتقدات ومؤثرات من أماكن مختلفة، خصوصاً مع ثقافة الشعوب الهندية الآرية، التي هاجرت إلى المنطقة حوالي 1500 قبل الميلاد. في ذلك الوقت عُرف كتاب «الفيديو»، أو الكتاب المقدس، الذي بدأ شفهياً، ورسّخ ارتباط العقيدة بأنواع من الطقوس، وتم بعدها التعرف على الآلهة ديفي وفيشنو وغيرهما.
وجدت كلمة «الهندوسية» مؤخراً، في القرن الـ19، وغيابها قبل ذلك يعود إلى عدم وجود كلمة متفق عليها تغطي كل أسرارها وطقوسها، ويعتقد أن %80 من الهنود يدينون بها، أو أكثر من مليار بقليل.

 في عالم تغلب عليه وجهتا نظر، إما العلم وإما الدين، من الصعب فهم الهندوسية بكل تعقيداتها، فهي ليست ديناً، بالمعنى التقني، فلا مؤسس لها ولا أنبياء، ومبادئها الأساسية تطورت أو تشعبت إلى كل فروع الهندوسية المختلفة في ممارساتها الجسدية، مثل اليوغا، إلى النصوص الفلسفية المعقدة.

وفقاً لمعلم اليوفي والصوفي sadhguru، فإن hindu هي حقّاً مصطلح جغرافي مشتق من اسم الأرض sindhu، ولا يرتبط كثيراً بالإيمان أو المعتقدات الروحية. ويدور مفهوم الهندوسية حول اكتشاف قوة المرء، أو «علم الخلاص»، بعيداً عن الأديان المنظمة. والجوهر الرئيسي للهندوسية هو أن تعاليمها يمكن لأي شخص الوصول إليها، فلا يوجد كهنة أو حراس لديهم المعرفة المقدسة. ويمكن لأي شخص ممارسة طقوس الهندوسية أو قراءة النصوص المقدسة، بصرف النظر عن العرق أو الانتماء إلى المعتقدات الأخرى.

الاسم الحقيقي للهندوسية وجوهرها هو «سانتانا دراما»، وهي مجموعة الواجبات الأساسية التي يحتاج المرء إلى القيام بها في حياته، وهذا يشمل حسن النية والصبر وضبط النفس والانضباط الذاتي، إلى جانب تجنّب العنف. كما أن هناك مجموعة من الواجبات الخاصة بالفرد التي تمليها حالته الاجتماعية، سواء بين الأسرة أو في الحياة العامة.

وبما أن الهندوسية ليست ديانة، فلا إله واحداً في تعاليمها، ولكنْ هناك اعتقاد بأن الوجود الإلهي موجود في أي شيء، وليس منفصلاً عن البشر أو الطبيعة، والآلهة ليست كائنات أسمى أو منفصلة، بل فقط لها خصائص شخصية، وموجودة في كل مكان ويمكن إيجادها.

تعتبر الروح العنصر الأهم في الهندوسية، وهي شيء أبدي. وعندما يموت شخص، أو كائن ما، تتقمّص روحه وتولد من جديد، مراراً وتكراراً، وتسمى هذه الدورة samsara. كما تعتمد ظروف ولادة الشخص من جديد على الكارما، أو مجموع أفعاله السابقة. لذا لا تهتم الهندوسية بالعالم المادي والملذات الأرضية، لأن الحياة الأرضية الواحدة لا تُقارن بحياة الروح الطويلة. الهدف النهائي الذي تسعى كل روح لتحقيقه هو الموكسا، أو نهاية التناسخ والوحدة النهائية مع الوعي العالمي. لهذا، لا تحتاج الروح فقط إلى التخلّص من الكارما الخاصة بها، التي تم جمعها عبر قرون من التناسخات، بل تسعى أيضاً إلى عدم الارتباط بجسد المرء وممتلكاته الأرضية وحتى أحبائه أو detachment!

ويتوافق هذا المفهوم الأساسي للهندوسية مع قانون الحفاظ على الطاقة، وأن الكون يحتوي على كمية معينة من الطاقة، وهذه الطاقة تغيّر شكلها فقط، ولا يمكن تدميرها أو إعادة تكوينها وتنتقل من شكل إلى آخر، كالأرواح!

كما ترى الهندوسية أن العقائد الأخرى أقل شأناً، لأنها تدعي الكمال، أما في الهندوسية فلا يتعلق الأمر بإنسان مقابل الآخرين، بل يتعلق بحوار بين الإنسان والكون، لذا فإن مسؤولية المرء هي استكشاف وتجهيز نفسه ليكون قادراً على الفهم.

نظراً لأن الهندوسية ترى البشر على أنهم يتجسدون ويتطورون باستمرار، فإنها لا تتفق مع الأفكار الغربية المتمركزة حول الذات في حياة واحدة من دون عواقب، ولذلك تدعو الهندوسية إلى اللاعنف، كما تدعم استغلال البيئة الطبيعية لتحقيق الأرباح، لأنها تعزز العيش البسيط والمستدام، وتصف الأرض ككائن حي متصل بالبشر من خلال وسائل مختلفة. فحماية البيئة وجميع الكائنات الحية هي واحدة من أعلى الواجبات، أو dharmas التي يمكن للمرء القيام بها أثناء العيش على الأرض!

ويُفهم الوقت بشكل مختلف في الهندوسية، لأنه ليس خطِّيّاً بل دائريّاً، ويعود إلى النقطة نفسها مراراً وتكراراً، فالوقت يساوي الوجود الإلهي، فالماضي والحاضر والمستقبل موجودة بالتوازي. لذا فإن الزمان والمكان مجرد أوهام في الهندوسية. فالإيمان بمفاهيم مثل الوقت يدفعنا إلى أن نخضع لهذا الوهم، والمطلوب التغلّب عليه لنصبح خالدين.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top