شعبية نائب الخدمات

«... ونناشدكم، أبناء وطننا، ألا تضيعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية، حتى لا نعود إلى ما كنا عليه، لأن هذه العودة لن تكون في مصلحة الوطن والمواطنين، وستكون لنا، في حال عودتها، إجراءات ثقيلة الوقع والحدث»...!
***
هذا ما جاء في خطاب سمو ولي العهد، الذي ألقاه نيابة عن صاحب السمو الأمير، وفي لهجة غير مسبوقة، وبكل وضوح وصراحة، ملقياً الكرة في ملعب الناخب، وعليه تقع مسؤولية اختيار المسار القادم.

كما ورد في مرسوم حل مجلس الأمة أن القرار اتخذ تصحيحاً للمشهد السياسي، بسبب ما يعانيه من عدم توافق، وعدم تعاون واختلافات وصراعات وتغليب للمصالح الشخصية، ورفض البعض للبعض الآخر، هذا غير الممارسات والتصرفات المهددة للوحدة الوطنية! كل هذا رائع وجميل وتسعد النفس قراءته وسماعه.. ولكن؟

لا يمكن أن يتحقق أي تغيير إيجابي ينشده المحب لوطنه، طالما أن الجهاز الإداري بهذا الترهل والفساد وكل هذا التخلف!

ولا يمكن أن يتحقق الإصلاح المنشود بغير قرار حكومي واضح بعدم تمرير أية معاملة لأي نائب كان. فبخلاف ذلك، فإن أصدق المواطنين وأكثرهم طيبة واستقامة سينتخب من سينهي معاملاته، ويسترد حقوقه من الدولة.

إن المواطن لا يُخلق فاسداً، بل يُفسده البيت وتُفسده التربية المدرسية والبيئة. ففي كل مناهج المدارس، بمختلف مستوياتها، ليس هناك فصل واحد يعلم طالب العلم معنى الأخلاق ومعنى الشرف، وإن المسألة غير معلقة بنصف متر مربع من جسم الإنسان، بل الشرف والأخلاق يتعلقان بأمور في غاية الأهمية، ولا تُلام أغلبية «الأمة» إن لم تتعلم بطريقة صحيحة أو حتى لم تسمع يوماً ما الذي تعنيه الأخلاق الصحيحة، وما يعنيه الشرف الحقيقي!

جميل أن تخبرنا الحكومة بأن هناك عدم توافق وعدم تعاون واختلافات وصراعاً بين النواب، وهذا طبيعي في كل برلمان، ولكن ما هو غير طبيعي ولا مقبول هو عدم التطرق إلى طبيعة ذلك الصراع، الذي شهدناه في أغلبية المجالس السابقة، وإنه يعود أساساً إلى الصراع على «كيكة الحكومة». فمتى ما توقفت «حنفية» توزيع الشاليهات والمزارع والمناقصات والجواخير والمخازن والقسائم السكنية والهبات النقدية والعلاج في الخارج، فستختفي أغلبية هذه الخلافات والاختلافات، وستكون الاستجوابات العشوائية والفاسدة شيئاً من الماضي.

هناك كلام كثير لا يتسع المجال له، ولكن ما يجب أن تعرفه الحكومة، بكل خبرائها ومستشاريها وأجهزتها، أن هناك حاجة ماسة وأكثر من مستعجلة إلى الكثير من التشريعات، التي لا يمكن أن تسير أمور الدولة من دونها، والتي نتج عن غيابها الصراع الذي عصف بمجالس السنوات العشرين الأخيرة. فعلى الرغم من أن الوظيفة الأساسية لعضو مجلس الأمة هي التشريع، فإنه، وأيضاً لأسباب يطول شرحها، تقاعس عن ذلك، وبالتالي كان حرياً بالحكومة أن تقوم بهذا الدور، وهذا حقها وواجبها، والتقدم بمشاريع القوانين المطلوبة والعاجلة للمجلس ليتم إقرارها، فهي كانت دائماً أكثر قدرة وإمكانية من أغلبية النواب في مجال التشريع، الذي كان أصلاً مقتصراً في مجالس الأمة على عدد محدود من الأعضاء، فاهتمامات الأغلبية كانت في مكان آخر!

نعود ونكرر إننا بحاجة ماسة إلى تطوير الجهاز الإداري، لعدم دفع المواطن دفعاً للجوء إلى النائب لإنهاء معاملته عند الوزير، وكي لا يستغل الأخير طلب النائب في شراء ولائه، واستمراره في عدم اهتمامه بتطوير وزارته!

وأخيراً، وليس آخراً، إغلاق الإدارات التي أُنشئت خصيصاً، في كل وزارات الخدمات، للاهتمام بتلبية رغبات النواب، وإنجاز معاملاتهم، حتى السخيفة منها.

وإلى مقال الغد «المؤلم»!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top