كلام رئيس الغرفة والواقع التاريخي

يقول صديق، سبق أن تقلد عدة مناصب مهمة وحساسة، قبل أن يختار الابتعاد عن المشهد، وهو متابع جيد لما أكتب، إن الكويت تاريخيا لم تنمُ وتنهض خلال القرون الثلاثة الماضية إلا بسبب موقعها الجغرافي بين السعودية وإيران والعراق إضافة لقربها النسبي لبلاد الشام والهند وأفريقيا. وحده «التاجر»، بما عُرف عنه من مبادرة في كل المراحل، استغل تلك الظروف، وقام بدوره الوطني، وما كان من الممكن أن تصبح الكويت بتلك الأهمية يومها، أي قبل استخراج البترول من أراضيها، من دون هذا الدور للتجار، إضافة لحكمة القيادة. وما كان للكويت أن تكتسب مع الوقت أهمية كبيرة في محيطها، وتصبح مركزا تجاريا نشطا ومتميزا عن باقي دول الجوار، وكل ذلك بفضل الرواد الأوائل الذين أتوا لها جميعا مهاجرين من نجد ومدن الجزيرة العربية وبر فارس ومدنها القريبة من الساحل ومن العراق وغيرها.
كان تجار الكويت، كما عُرف عنهم، من خلال ما قام بتدوينه رحالة عرب وأجانب وشخصيات سياسية في وثائق عدة، يتحلون بروح الإبداع والمخاطرة بجهدهم ومالهم، وفي أحيان بحياتهم، في رحلات البر والبحر، وساهموا في تنمية اقتصاد البلد، الذي كان بدائيا جدا. واستطاعوا ليس فقط توفير فرص عمل متنوعة لأعداد كبيرة من السكان، بل ان يكون عملهم مصدر الدخل الوحيد تقريبا للحكومة من خلال ما كانوا يدفعونه لها من رسوم جمركية. كما كان لهم دور حيوي في رواج صناعة السفن وتملكها بغرض المتاجرة بها في نقل بضائع وحمولات الغير، حيث كانت تنقل التمور من البصرة ومختلف المواد الأخرى من موانئ وبنادر دول المنطقة والهند وباكستان وسواحل أفريقيا، وبفضلهم أصبحت الكويت منطقة جاذبة للعمل، كما حصل مع دول غربية كثيرة، مع الفارق الكبير في الأهمية والحجم.

كما أن المكاتب التجارية الكويتية في الهند والعراق، وبعض البنادر الخليجية، ومدن جنوب شرقي آسيا وعدن والصومال ما كانت لتعمل وتزدهر، وتخدم مركزها الرئيسي في الكويت، وتشكل مصدر دخل وطني كبيرا للعاملين فيها، لولا هؤلاء التجار، الذين تزامن نشاطهم مع وجود نظام حكم عرف أهمية دورهم فدعمهم سياسيا، وحتى عسكريا أحيانا، لضمان استمرار نشاطهم الاقتصادي الفريد الذي قاد في النهاية لتميز الكويت بموقعها ورجالها، إلى أن ظهر النفط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ليأخذ مكانته.

باختصار، الكويت لم تظهر إلى الوجود بذلك الاستفراد لولا نشاط أهلها التجاري، مع قيادة وفرت البيئة المحفزة والداعمة!

وكل هذا يعني صحة ما سبق أن أورده السيد محمد الصقر، رئيس غرفة التجارة، وأثار بعض الاحتجاجات، من الناحية التاريخية على الأقل. فليس بإمكان أي طرف كان أن يبخس أبدا قيمة ما قدمته هذه الفئة لوطنها، ولا يعني ذلك أن نبخس حقوق بقية أفراد الأمة، ونضالها في تأسيس الدولة والدفاع عنها، ولكن في الغالب ما كان سيكون للكثير منهم وجود فعلي لولا ذلك النشاط التجاري المميز لتجار الدولة.

ما ينطبق على الكويت ينطبق على أية شركة عامة أو خاصة، فكل موظف فيها، حتى الفراش له أهمية قصوى، ولا يمكن إتمام العمل بغيرهم، ولكن العامل المشترك، الذي ما كان سيتحقق الكثير بغيره، هو التاجر، أو المايسترو!

وبالتالي من المحزن سماع أصوات نشاز تخرج من أفواه حاقدين أو جهلة، من أمثال «أبوبراطم» ماربيا، الدائمي الشكوى من سيطرة التجارة على الدولة، ولا أدري ما الذي على التجار القيام به ليرضى هؤلاء عنهم. فهم من غامروا بأموالهم وأسسوا أول شركة طيران، وأول مصرف، وأول شركة تأمين لتكبر السبحة وتشمل كل مناحي الحياة، فهل كان يتوقع هؤلاء منهم الجلوس في بيوتهم، لكي يرضوا عنهم؟

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top