بيئة سعود الكبير

شهدت إمارة الشارقة قبل أيام افتتاح محطة تحويل النفايات إلى طاقة، وهي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط، إذ ستُنتج كميات من الكهرباء تكفي لتزويد 28 ألف منزل بالتيار.
ما قامت به الشارقة كان يراود مخيلة الصديق ورجل الأعمال المعروف سعود عبدالعزيز العريفج، منذ نصف قرن تقريبا.

كان سعود من أوائل من فكر في مشروع تحويل النفايات لمواد مفيدة واستخدامها لتوليد الكهرباء، ولكن الروتين الحكومي والمعوقات التي واجهها دفعا أحلامه لأن تتواضع، بعد أن رفضت الحكومة مشاركته في تنفيذ الفكرة، واكتفى بمصنع تدوير نفايات عالي التقنية، ولكن أقل بكثير مما كان يحلم!

كما سبق سعود زمانه وجيله، فيما يتعلق بالتعامل مع القمامة، والاهتمام بالبيئة بسنوات طويلة، كانت بداياته في الستينيات عندما شاهد آلاف خزانات المياه الحديدية الصدئة، التي كانت تُستخدم لحفظ المياه فوق أسطح البيوت والعمارات، قبل شيوع استخدام خزانات الفيبر غلاس وغيرها، تملأ الصحراء بمنظرها البشع والمسيء للبيئة، حيث كانت تُرمى غالبا، فاقترح على مدير البلدية حينها، المرحوم محمد المعوشرجي، السماح له بجمعها وتدويرها، على حسابه وتحويلها لنفايات حديدية، وكان له ما أراد وكانت تلك بداية قرار البلدية تلزيم كل أعمال التنظيف في الدولة لشركات المقاولات، وهذا وفر على المال العام مئات ملايين الدنانير سنويا!
* * *
لم يؤمن سعود بالجلوس على مقاعد الدراسة، والتعلم بطريقة كلاسيكية، بل قرر، وهو في سني مراهقته الأخيرة، الدخول في معترك رجال الأعمال، وأن يكون شيئا مختلفا عن أبناء جيله، فارتاد ميادين لم يفكر بها أحد قبله، وحقق نجاحا ماليا كبيرا، فشخصيته، بخلاف أنها محبة للغير وعمل الخير، ذات طبيعة مغامرة، وكثيرا ما طرح علي شخصيا أفكارا، وطلب مشاركتي في تنفيذها، تعلق بعضها بالتوسط بين حكومات وشركات، واقتراح مشاريع ضخمة عليهما، وشراء النفط من دول تواجه صعوبات في تسويق منتجها وبيعه بأسعار تفضيلية لدول أخرى، وكنت أتعجب كثيرا من قدرته على ربط الأمور ببعضها، وتحقيق قصص نجاح فاقت أحيانا الكثير من توقعاتي، ولم أجرؤ يوما على مسايرته في مغامراته أو صفقاته!

في سعود شيء يجذبك له، بخلاف ابتسامته الآسرة وهدوئه الواضح، فعقله، وهو الذي يواجه حاليا صعوبات جمة في الحركة والتحدث بطلاقة، لا يزال يعمل بنشاط، وهو دائم السفر، إما بحثا عن العلاج أو لعقد صفقة هنا أو شراء منتج هناك، والحرص على ارتياد معارض البيئة، أينما أُقيمت.

بمرض سعود الأخير، الذي نتمنى الشفاء له، والعودة لسابق أنشطته وهواياته، توقفت حفلاته السنوية التي كان يقيمها، ومسابقات الطبخ التي كان يطلب من عشرات السفراء في الكويت المشاركة فيها، والتي كانت تمثل أفضل رسالة يقدمها مواطن لوطنه.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top