أسرار حول الدستور من جدة

بالرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاماً على أحداث «مؤتمر جدة»، الذي عقد في ذروة احتلال الكويت من قوات صدام الحقير، في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر 1990، والذي حضرته مدعواً، مع ما يقارب 1500 شخصية كبيرة ومؤثرة، فإن الكثير مما جرى بين كواليسه ما يزال سراً، لا يود من هو بيننا الحديث عنه، ومن رحل رحلت الأسرار معه!
من مشاركتي المتواضعة، ومراقبتي الأكثر تواضعاً، وما قرأته وسمعته تالياً عن أحداثه، تبينت لي الأمور التالية:

1 ــ فكرة عقد مؤتمر يضم «الشرعية» في جدة كانت فكرة عظيمة وصائبة، ولا أعرف من كان وراءها، فقد بينت حقيقة العلاقة بين الشعب وقيادته، وكانت أبلغ رد على كل ادعاءات صدام بأن غزوه للكويت كان استجابة لثورة شعبه ضد أسرة الصباح، فالمؤتمر عقد أصلاً، وبطلب شعبي، لتأكيد العلاقة الشرعية والتاريخية مع الأسرة، والتفافهم حولها.

2 ــ لم يكن هناك حتى صوت فرد عارض عقد المؤتمر، في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الشعوب.

3 ــ وجود خلافات سابقة للغزو، بين مكونات المجتمع الكويتي، لم تكن يوماً مبرراً لأية دولة لغزوها بتلك الحجة السخيفة والواهية.

4 ــ بالرغم من وجودي، وغالبية المشاركين، على هامش أحداث المؤتمر، فإنه كان واضحاً وجود خلافات بين أطرافه الفاعلة، أو بالأحرى بين القيادة السياسية، ومن يؤيدها من إخوان، وبين القوى السياسية والاقتصادية الوطنية، التي كان يمثلها الراحل عبدالعزيز الصقر ومعه د. أحمد الخطيب ورفاق دربه. وكاد الاختلاف بين الطرفين حول رئاسة المؤتمر وصيغة ومحتوى البيان الشعبي الختامي، المؤيد للقيادة السياسية والشرعية، أن يعصف به، فقد كان موضوع التمسك بالديموقراطية ودستور الدولة هو المحك والأساس الشرعي لأي اتفاق، وهي الأمور التي وردت تالياً بوضوح في كلمة المرحوم عبدالعزيز الصقر، والتي أصبحت وثيقة رسمية أودعت مع قرارات المؤتمر في الأمم المتحدة، وكان ذلك أحد مطالب القوى الوطنية، وخاصة في ما يتعلق بجزئية التمسك بدستور الدولة، والعودة الفورية إلى الديموقراطية. وبينت كلمة الصقر تاريخية خريطة الطريق لكويت ما بعد التحرير.

5 ــ كان واضحاً تأثير الإخوان، ودورهم خلف الكواليس، وكوفئت جهودهم في إعطاء كلمة المؤتمر لمن يمثلهم، وتسليم الكثير من مقدرات الدولة، بعد التحرير، لهم، خاصة أنهم كانوا يضغطون بشدة على بقية الأطراف لتخفيف جرعة الديموقراطية، مقابل الأخذ أكثر بقوانين الشريعة. أما ما ورد من «بطولات زائفة» مؤخراً على لسان أحد المنتمين إلى حزب الإخوان في مقابلة بائسة، فلا دليل أبداً على صحتها.

الارشيف

Back to Top