اليمن.. ذلك البلد المُتعَب والمُتعِب

ليس هناك أبعد عن الصحة من مقولة «اليمن السعيد»، فهذا البلد لم يعرف يوماً الراحة والسعادة عبر تاريخه المملوء بالحروب والدماء، وقال الشاعر البردوني عن شعبه: «وما خُلقوا إلا ليقتتلوا»!
ولكن من الصعب ألا تحب الشعب اليمني كأفراد، ويصعب معرفة حقيقة معدنه بسهولة، فتحت بساطته ولطف حديثه وكرمه يخفي شخصية أخرى. ويعتقد كل من يراه أن من السهل التغلّب عليه، بملابسه المعيقة للحركة، وبساطة ما ينتعل. فكل الغزاة المدججون بالسلاح، قديماً وحديثاً، اعتقدوا أن قوتهم وآلاتهم العصرية يمكن أن تنتصر على هؤلاء البسطاء، ولكنهم كانوا جميعاً واهمين، فاليمني لا يحتاج إلى غير بضع تحالفات قبلية، وما يقي أوده من تمرات، ليتحصّن في الجبال مع بندقية ليستمر في مقاومته حتى خروج الغزاة، هكذا عاش اليمني دائماً بعيداً عن عصره، حتى عمّن جاوره من دول، وأحياناً متخلفاً عنهم بمئات السنين، وقدره ربما أن يبقى هكذا. وبالتالي احترقت أصابع وأقدام كل من حاول انتشال تلك الدولة غير السعيدة مما غرقت فيه من أوهام وأحلام. واشتهرت عنهم مقولتهم عن جيش عبدالناصر، الذي دخل اليمن لتأييد انقلاب السلال العسكري على نظام الإمامة، عام 1962، بأنهم، أي الجمهوريين، سيحاربون الملكيين، المدعومين من السعوديين، لآخر قطرة دم في جسد جندي.. مصري!

كما اشتهر عنهم الاستمتاع بالحرب في جانب الجمهوريين تارة، ليقبضوا «المقسوم»، قبل ان ينقلبوا عليهم، ويحاربوا مع الملكيين، ويقبضوا المقسوم، فهذا كان دأبهم في إتعاب غزاتهم، الذين خرجوا الواحد تلو الآخر تاركين اليمنيين لخلافاتهم وقتالهم وجنبياتهم!
***
هناك مقولة أوردتها الكاتبة اليمنية بلقيس الريامي عن تشرشل أنه قال: «إذا مات أهل شمال اليمن فستموت الخيانة»، وتشرشل لم يقل ذلك طبعاً، والخيانة لا ترتبط بشعب وتستثني غيره، بل هي كلمة غارقة في نسبيتها! ولكن يمكن القول إن قوة اليمن تكمن في قبائلها الضخمة والمدججة بالسلاح. كما أن ضعفها السياسي يكمن أيضاً في قبائلها المتعددة والمتفرقة عرقياً ومذهبياً، وولاء لهذا الجانب أو غيره، والتي يقارب عددها الـ300 قبيلة، تشكل قرابة %85 من السكان البالغ عددهم 26 مليوناً. ويعود تاريخ بعض قبائلها إلى مملكة سبأ، وكان لها دور في كل حرب وفي كل تشكيل وزاري وفي كل انقلاب عليها، وجميع تحالفات القبائل فيها مضطربة، لأنها تقوم على المصلحة وليس النسب، وهذا يجعل الخريطة القبلية متحركة. كما أنها تمثل حكومات متكاملة في مناطقها.
***
لم تبق دولة قريبة، أو حتى بعيدة عن اليمن لم تغزها، وجميعها أنهكت وخرجت تلعن الساعة التي دخلتها، ومن هؤلاء فرس ما قبل الإسلام، والقرامطة والأحباش، والإيطاليون وعشرات غيرهم، وحدهم الإنكليز اختاروا ميناء عدن الاستراتيجي و«جلسوا» فيه 128 عاماً، لأنهم اختاروا عدم التوغل في الداخل!
***
المهم من كل ذلك أن الكويت، على مر تاريخها الحديث، كانت الدولة الأكثر اهتماماً باليمن ومساعدة لها، ولم تتدخل يوماً في شؤونها، ولكن ذلك لم يشفع لها وقوف غالبية شعبها وراء قيادتها وتأييد غزو صدام للكويت. ولم يكن حظ «الكوايته» أفضل من حظ المصريين قبلهم، ولا الجنوبيين بعدهم، الذي سعوا إلى الاتحاد معهم، فنالهم الأذى! كما كانوا الأكثر حقداً على السعودية، بالرغم من كل مساعداتها لهم، والدولة الأكثر كرماً معهم، وتشغيلاً للملايين منهم، ومن المتوقع ألا يكون حظ الإيرانيين بأفضل من حظ غيرهم، في نهاية المطاف.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top