المتمثل بالجنس الآخر

كنت في «لندن الستينيات» استمتع بزيارة محال reject، لشراء قطع خزفية وأوان منزلية لتميزها بعلاماتها التجارية، ورخص ثمنها!
كان ذلك المحل مخصصاً لبيع بعض منتجات المصانع التي بها «عيوب مصنعية» لا تلاحظ بسهولة، بدلاً من إتلافها!

كما تقوم مصانع السيارات، بين الفترة والأخرى، باسترجاع موديلات معينة لاكتشاف «عيوب مصنعية» فيها!

وفي السياق نفسه، يولد البعض بعيوب خلقية واضحة، أو لا تلاحظ بسهولة، وقد تكون عيوباً جنسية، ولكن يتم التستر عليها!

وبالتالي من المضحك، أو ربما من المبكي، عقاب إنسان لأنه بعين واحدة أو سجنه لأنه لا يسمع، أو فرض غرامة مالية عليه لأنه لا يتكلم، أو رفض تشغيله لأن صوته، كذكر، يشبه صوت النساء مثلاً، أو العكس، ومع هذا ينص القانون الكويتي على معاقبة من لا يتصرف طبقا للجنس الذي وضعه المجتمع له! علما بأن العلم وتجارب الحياة، الطبية والنفسية، أثبتت أن غالبية، إن لم يكن كل من يسمون بالمثليين، أو غير ذلك من تسميات، مضطرون للتصرف بطريقة ربما تكون «شاذة» بنظر البعض، ولكنها طبيعية بالنسبة لهم، ولم يكن لهم خيار في ذلك في الغالب الأعم، ومن المضحك تالياً معاقبة من لا يتفق مع أهوائنا ورغباتنا، وسجنه!

كما أن حكمنا على المتشبه بالجنس الآخر يأتي غالباً، أو ربما دائماً، ظالماً، غير مدركين أن من نعتقد أنهم شاذون جنسياً منسجمون تماماً مع «طبيعتهم»، التي نشؤوا عليها، وهم لا يمثلون ظاهرة مستجدة أصلاً، فكل كتب التراث والفقه والنصوص الدينية، وكتب التاريخ، تطرقت لموضوعهم منذ الأزل، ولم يكن هناك داع لتخصيص مادة في قانون العقوبات الكويتي لهذا الموضوع.
***
من هذا المنطق قام ناشطون وحقوقيون، برفع الأمر للمحكمة الدستورية طاعنين في عدم دستورية المادة الـ198 من قانون الجزاء، المتعلقة بـ«تجريم التشبه بالجنس الآخر»! علماً بأن قوانين الدول الإسلامية أوقفت العمل بالنصوص المتعلقة بكيفية التعامل مع الرقيق، لعدم اتساقها مع العصر، فلِمَ الإصرار على التعامل مع من يطلق عليهم بالمثليين بالطريقة الفجة الحالية، مع عدم اتساق العقوبات مع مواد الدستور، ناهيك عن الجوانب والدلائل الطبية للموضوع، التي تؤكد أو على الأقل تشير إلى احتمالية أن يكون ذلك التشبه ناتجاً عن «اضطراب في الهوية الجنسية»، وهو أمر اعترفت به فتاوى دينية، واعتبرته مسوغاً محتملاً لإجراء عمليات تحول جنسية.
***
استباقاً للموعد المحدد لصدور الحكم في الطعن الدستوري الذي تنظره المحكمة الدستورية 16 الجاري، بشأن الطعن في عدم دستورية المادة الـ198 من قانون الجزاء، الخاص بـ«تجريم التشبه بالجنس الآخر»، الذي لي شخصياً دور متواضع فيه، أقامت جمعية المحامين ندوة لمناقشة الملابسات المحيطة بالقضية، حيث أكد المتحدثون أن التشبه يندرج تحت بند الأمراض التي تحتاج علاجاً، وليس ضمن لائحة الجرائم التي تستوجب عقاباً، وهذا ما أدركته دول كثيرة منذ عقود، بعد أن تبين أن %70 من الحالات، التي يمر أصحابها باضطرابات جنسية، هي لضحايا أمراض خارجة عن إرادتهم.

وأكد المحامي علي العريان، مقدم الطعن لدى المحكمة الدستورية، بعدم دستورية المادة الـ198، وأن المحكمة الدستورية حجزت القضية للحكم يوم الأربعاء المقبل.

كما شدد الخبير الدستوري محمد الفيلي على أن الأصل في جميع التشريعات الإباحة ما دام التصرف المعني لا يلحق ضرراً بالمجتمع.

ووصف القانون المطعون به بالانفعالي في تشريعه، والتشريعات لا تصنع بالانفعال!

ودعا أستاذ علم النفس نايف المطوع إلى التفريق بين «وضع عقاب لشخص يقوم بفعل أمر ما، وبين آخر يعاني من أمر ما».

كما ان منظمة الصحة العالمية تعتبر التشبه مرضاً يستوجب العلاج، وليس العقاب.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top