«ضعها براس عالم.. واخرج منها سالم»

اتخذ وزير الدفاع الشاب والمستنير قراراً بفتح أبواب الانخراط في الجيش أمام المرأة، فثار المتشددون من رجال الدين، وهدد نائب أو أكثر باستجواب الوزير، فتراجع معاليه وأصدر بياناً قال فيه إن وزارة الدفاع حريصة على استطلاع رأي الشرع والتحقق من عدم وجود أي محظورات شرعية قد يحتويها أي من قراراتها، وأكد تمسكه بالأحكام والضوابط الشرعية.
جاءت تصريحاته خلال استقباله مجموعة من رجال الدين الذين أكدوا بدورهم ضرورة مراعاة الضوابط في عمل المرأة بوظائف عسكرية، وضرورة استفتاء هيئة الافتاء!

تأجيل دورة عمل المرأة في الجيش، لحين مخاطبة هيئة الإفتاء في مدى «إسلامية» القرار، ورأيها السلبي سيلغي المشروع برمته، وهنا نترحم على أرواح شهيدات الكويت، من أمثال وفاء العامر وأسرار القبندي، اللاتي لم يفكرن بالضوابط الشرعية حينها، بل بتحرير الأرض من الغازي!
***
لوزير الدفاع، الشيخ حمد جابر العلي، مكانة خاصة في قلبي، ليس فقط لأنه من متابعي مقالاتي منذ سنوات طوال، بل أيضاً لتواضعه وأدبه الجم، وثقافته، والأهم من ذلك لانفتاحه، الأقرب لليبرالية منه لأي تيار آخر!

وبالتالي تألمت من قيام رجل دولة بمكانته وبما ينتظره من مستقبل قيادي، بطلب الرضا لقراره المدني بامتياز، المتعلق بالتحاق المرأة بالجيش، من مجموعة من رجال دين متشددين، لم يبق من أمثالهم إلا في دولتنا، ولم نوفق يوما في اتباع نصائحهم التي أوصلتنا للحالة المزرية التي نحن فيها.

إن الكويت، أو هكذا يفترض، دولة مدنية كما ينص عليه دستورها، ولم يكن يفترض أصلا قيام مسؤول بارز بلقاء رجال دين، أو الإكليروس، لتأييد موقفه الصحيح، وهذا قد يفسر بأنه دليل ضعف في موقف الوزير، وهذا ما لا نتمناه لشخصية محبوبة بمقامه. والأخطر من ذلك لا نود أن يعتبره أي طرف سابقة تدفعه مستقبلا للمطالبة برأي الفتوى بمدى جواز وجود دور عبادة غير إسلامية في الدولة مثلا، أو جواز رفد ميزانية الدولة بفرض الجزية على «رقاب» غير المسلمين، وغير ذلك من أمور خطيرة!
***
نحن معك يا معالي الوزير في رغبتك أن تكون «عملياً ومرناً»، لكن ليس على حساب المبادئ العامة للدولة، فزمن استشارة رجال الدين في أمور تمس أمن الوطن أصبح شيئاً من الماضي، ولا تنسَ أن لهؤلاء اليوم رأياً، وسيكون لهم في الغد رأي آخر، فالسيد «عجيل النشمي»، مثلا، الذي أجاز عمل المرأة في الجيش سبق أن أفتى بعد التحرير، ومن إذاعة الكويت، بعدم جواز خروج المرأة من منزلها وحمل السلاح للدفاع عن وطنها!
***
لقد قلبت الشقيقة السعودية الطاولة على هؤلاء، وطالبتهم الالتزام بدورهم الحيوي والمحدد، المتمثل في التصدي للقضايا والمسائل الدينية، وترك أمور الدنيا لرجالها ونسائها، ولم تنقلب الدنيا لديهم، بل أصبح الكل يلهث وراء القرارات السعودية المتسارعة نحو التطوير والتحديث ومواكبة العصر، فحركة «الصحوة غير المباركة» التي طحنت مجتمعاتنا على مدى ثلاثين عاماً أو أكثر لا تعني أن علينا الانتظار لفترة مماثلة للتخلص من تبعاتها، بل علينا حرق المراحل والتقدم للأمام بكل قوة وعزم.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top