بين الشعراوي والمفكر زيدان

لمحمد متولي شعراوي، المساهم الأكبر - برأيي - في تغييب عقل الكثيرين في هذه الأمة، مقولة، ربما كانت الأكثر ضرراً من بين كل أقواله، عندما قال، وهو يرفع المصحف بيده، إنه توقف عن قراءة أي كتاب منذ ثلاثين عاماً، مكتفياً به! ولا أدري كيف يجوز قول ذلك على ضوء كل هذا التقدم العلمي المتسارع الذي يتطلب من كل «العلماء» والأطباء والصيادلة والمهندسين وأصحاب عشرات المهن المهمة والخطيرة، وخبراء المال والتأمين مواصلة قراءة الكتب والتقارير باستمرار وحضور المؤتمرات والندوات، ومراجعة الدوريات، فقط ليكونوا على اطلاع ولو قريب بما يجري في العالم. ولنا أن نتخيل مقدار الضرر الذي يمكن ان يتعرض له مريض على يد طبيب جاهل، أو مستجير بمحام أكثر جهلاً!
وبالرغم من مرور ربع قرن تقريباً على مقولته تلك، فإن تأثيرها، المباشر وغير المباشر لا يزال سائداً بيننا، نتيجة الخلط بين النص الديني المقدس، ومتطلبات الحياة العصرية المعقدة التي يقودها العلم، المستجد والمتطور في كل ثانية، وليس في كل قرن، كما يعتقد البعض!
***
يقول المفكر المصري الكبير «يوسف زيدان»، مؤلف أكثر الروايات مبيعاً، ومنها عزازيل، بأن علينا إعادة بناء المفاهيم، وأن نعطي الثقافة حقها. فلكي نخرج، كعرب (ومسلمين)، من المآزق التي نحن فيها، علينا تشغيل عقولنا، ولا يعني ذلك تشغيلها في بناء مدن جديدة وخطوط سكك حديد، وجيوش متقدمة، بالرغم من أهمية ذلك، بل أن ننشر العلم والثقافة في المجتمع، ولسنا حالة استثنائية في تاريخ الشعوب لنعتقد أننا بغير حاجة للعلم والثقافة، فجميع الدول المتقدمة اليوم كانت متخلفة، وخروجها من «هوة الجهل» كان برافعة العلم والثقافة، وليس بأي عامل آخر.

فالكتاب ليس ترفاً، وليس أداة تسلية وتمضية وقت، بل «شهادة بقاء». فجميع الشعوب التي بادت أو أصبحت تعيش على هامش الحياة، كسكان أستراليا أو أميركا الأصليين، أصبحت أعدادها بمئات الآلاف، بعد ان كانت بعشرات الملايين! حدث لها ذلك لأنها، غالباً، لم تترك أثراً كتابياً أو تهتم بالتدوين، على عكس غيرها، كاليهود مثلاً، الذين يعود بقاؤهم وذكاؤهم وتقدمهم وصمودهم طوال آلاف السنين، بالرغم من ضآلة أعدادهم، لإصرارهم، دينياً وثقافياً، على القراءة، واهتمامهم اللافت بالثقافة والتدوين، وهذا حافظ عليهم كعنصر وكشعب طوال قرون.

فالشعوب التي تكتب لا تموت، والشعوب التي لا تقرأ لا تفهم، والشعوب التي لا تفهم تضعف، ويسهل الانتصار عليها في كل ميدان، وهذا هو الجهل بعينه، أي عدم الإيمان بالقراءة، كما هو حال غالبية شعوبنا، بـ«فضل» أفكار وأقوال من يسمون «علماءنا».
***
أتقدم، وأسرتي واحبتي، لكافة مسيحيي الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بخالص التهنئة بعيد الميلاد المجيد، متمنين لهم عيدا سعيدا وسنة أفضل.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top