نظرية تروللي التسوق

تتصرف أغلبيتنا بتهذيب وتحضّر في الدول المتقدمة، ونفعل عكس ذلك في دولنا أو في المجتمعات المشابهة لنا في التخلف، سواء في ما يتعلق بالإيتكيت أو الأصول، أو في اتباع قواعد ونظم المرور، ومتطلبات اللياقة والسلامة في القيادة والتزام المواعيد، أو التصرف بخشونة في المطاعم والمسارح، والعجيب أن كل ذلك يتغيّر تماماً خلال ساعات، وهو الوقت الذي يستغرقه الانتقال من مجتمع متخلّف إلى آخر متقدّم، حيث نصبح، فجأة غالباً، أكثر لطفاً مع الآخرين، ومع من يقومون بخدمتنا، وكريمين في استخدام كلمات شكراً، ولطفاً، وهل بإمكاني القيام بذلك؟ وتفضل، وغيرها.
* * *
تعتبر طريقة تصرفنا مع «عربة التسوق»، بعد الفراغ منها، مؤشراً على وعينا بحقوق المجتمع علينا. فغالباً لا يكترث الكثيرون بإعادتها إلى أماكن تجمعها، بل تترك في موقف السيارات. ويمكن بالتالي الحكم على أخلاق الفرد من طريقة تعامله مع عربة التروللي، وبطريقة أفضل من أي اختبار علم نفس أو من رأي رجل دين، خصوصاً في غياب قانون يمنع تركها في أي مكان، إضافة إلى ما يتطلبه الأمر من جهد للبحث عن مكان إيقاف العربات، خصوصاً بعد يوم تسوُّق متعب وشاق وتحت درجة حرارة عالية.

تقول اختصاصية علم النفس تاتي سيلفا إن نظرية عربة التسوق تقدم بعض النقاط الصحيحة، فالأمر يعود إلى شخصية الفرد. فالشخصية تتشكل من خلال الوراثة والبيئة التي ولد وتربى وتعلم فيها، ضمن أمور أخرى، مثل الالتزام بالصدق والفضيلة واللطف، والتي يمكن ملاحظتها مع الوقت، ومن خلال مواقف مختلفة. وقالت إن الشخصية تتأثر بشدة بالمواقف المختلفة التي نشارك فيها، لذلك إذا اختار الشخص عدم إعادة عربة التسوق إلى مكانها، فسوف يكشف ذلك شخصيته، وهو معذور إلى حد ما لعدم وجود قانون يجبره على وضعها في مكانها، وسيستمر سلوكه هذا، لأن الفرد هو الذي يحتاج إلى تحديد ما هو الصحيح وما هو الخطأ، أو السيئ أو الجيد، خصوصاً في غياب أعراف أو قواعد اجتماعية تحدد مدى صوابية هذا السلوك من عدمه.

كما تعتقد سيلفا أن نظرية عربة التسوق يمكن أن تتوسع، لتشمل سلوكيات أخرى أيضاً، مثل إلقاء القمامة أو أعقاب السجائر، أو العلكة أو الأقنعة أو القفازات المستعملة، في غير أماكنها، حتى الضحك الساخر لوقوع شخص ما على الأرض، أو عدم الاكتراث بمسك الباب للآخرين، تعتبر أموراً تكشف شخصية الفرد وأخلاقه وتربيته، وقد لا يقوم أحدنا بهذه الأفعال، لأنها لم تكن يوماً جزءاً من عاداته، ومع ذلك، يمكن تغيير ذلك من خلال توسيع الوعي الذاتي. ومن أمثلة المعضلات الأخلاقية المثيرة للنقاش، التي تحدد السمات السيكوباتية للكثير مثال «الشاحنة المنزلقة».

فلو افترضنا أن شاحنة تدحرجت على الطريق من دون سائق، وعلى وشك أن تدهس وتقتل خمسة أشخاص، وتصادف وقوفك على جسر مشاة بجوار شخص غريب ضخم الجثة، ولأن جسدك خفيف جداً، ويتعذر عليك إيقاف الشاحنة، حتى لو رميت نفسك تحت عجلاتها، فإن دفعك للشخص الضخم الغريب من على الجسر أمام الشاحنة سيوقفها حتماً، لكن ستكون النتيجة التضحية بروح واحدة لإنقاذ أرواح خمسة آخرين، فهل ستقدم على دفع الرجل؟

تبيّن من الإجابات، التي نشرت في مجلة cognition، أن الأشخاص الذين أجابوا بـ«نعم» حصلوا على درجات أعلى في مقاييس السيكوباتية، والميكيافيللية، وانعدام المعنى للحياة، مقارنة بأولئك الذين اختاروا عدم دفع الرجل البريء.
* * *
الخلاصة، من الرائع والمنطقي أن نكون بشراً ملتزمين الأدب والقانون، في وجود الغير والقانون، والأهم من ذلك في غيابهما!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top