أحداث الكويت و«داعش»

ألقت السلطات قبل فترة قصيرة القبض على 12 مراهقاً، من طلبة المرحلة الثانوية، وأحالتهم إلى القضاء في جرائم أمن دولة، بعد أن تبيّن انضمامهم إلى تنظيم داعش الإرهابي، وتحريض آخرين على الانضمام إليه وتبنّي أفكاره.
عانينا لسنوات من تلكؤ السلطات في التعامل بحزم مع المنتمين أو المؤيدين للحركات الإرهابية، فدفعهم تراخيها إلى تماديهم والتحرّك بحرية، خصوصاً في أوج الحرب الأهلية السورية، حيث رأينا نواباً سابقين وأكاديميين ونشطاء يجمعون «الملايين» لشراء مختلف أنواع الأسلحة لإرسالها لسوريا، وسمعنا ورأينا وقرأنا تهديدات بعضهم بقطع رؤوس أبناء طائفة إسلامية من السوريين، والاحتفاظ بعشرة منهم ليقوم بنحرهم بنفسه، وطالبنا في حينه بضرورة تحرّك السلطات ولجم كل هذا العنف والتطرف، لكن لم يحدث شيء حينها، ولا يزال هؤلاء حتى بعد 12 عاماً طلقاء، ومن أدين فبسبب سرقته لأموال التبرعات، وليس لدوره الإرهابي والقتال في سوريا والعراق.

كما ساهم تقاعس الحكومة وترددها، وغالباً بسبب ضغوط نيابية، في تمكين «داعش» من مد جذوره عميقاً في أجزاء رخوة من المجتمع الكويتي، وهذا ما وجدناه في خلية الطلاب التي تم الكشف عنها، وغيرها من خلايا، وما حدث من تفجيرات وعمليات قتل، كان آخرها إلقاء القبض قبل يومين على إرهابي اعترف بالانتماء إلى تنظيم محظور، والتخطيط لأعمال إرهابية، ومشاركة متهمين آخرين معه، يعملان، ويا للأسف، في وزارة الداخلية، وهذا يعني أن الأجهزة الأمنية مخترقة، والجامعات مخترقة، والمدارس الثانوية مخترقة، وأن هناك من له اتصال مباشر مع قادة داعش في سوريا، كما جاء على لسان المتهم الأخير، الذي كان ينوي القيام بعملية إرهابية ضد قاعدة عريفجان الأمريكية.

نكرر تحذيرنا من خطر هذا التنظيم، وخير مؤشر نجاحه في تجنيد شباب من الكويت، الدولة الأكثر عدالة وانفتاحاً ورخاءً، مقارنة بغيرها، وهذا يعني أن لها قواها الذاتية، وما أصبح يغريهم «الحور العين»، مع عجزهم التام عن التساؤل: لماذا لم يذهب من وعدهم بالحور لملاقاتها؟

إن هذا التنظيم، المنبثق أساساً من الإخوان المسلمين، رأس الأفعى، قد أوجد لنفسه موضع قدم، ويصعب خلعه، طالما أن الإخوان موجودون على الساحة، وبكل هذه القوة والنفوذ السياسي.
* * *
لا يعنيني كل ما يشاع عمّن يقف وراء «داعش»، فسيبقى لغواً مع غياب الدليل الدامغ عليه. وكل ما أشيع عن أقوال صدرت عن أوباما أو هيلاري كلينتون، بأن أمريكا كانت وراء خلق «داعش»، كلام لا يمت للحقيقة بصلة، ولا يعني ذلك أن دول عدة لم تستغل «داعش» وتستفيد منه بطريقة أو بأخرى. وبالتالي ما يعنيني أن «داعش» حركة دينية متطرفة، قد يجد تمويلاً هنا أو هناك، إلا أن أفراده ليسوا بمرتزقة، فالمرتزقة هدفهم المال، أما مقاتلو «الدولة» فهدفهم السبايا والغنائم، أو الحور العين إن قُتلوا، فالموت بالنسبة إليهم شهادة، والدليل أن بينهم من ترك عمله وأهله وجامعته ليقاتل أو يُقتل.

ولو نظرنا إلى الشحن الديني، الذي قامت به عشرات آلاف المدارس والكتاتيب الدينية في دولنا، وحتى في مدارس المسلمين في الدول الغربية، على مدى نصف قرن تقريباً، ومنها ما تسببت في ظهور طالبان والقاعدة والتنظيمات المتطرفة الأخرى في باكستان وأفغانستان وسوريا والعراق وغيرها، لما استغربنا أبداً استمرار وجود «داعش» بيننا، فهؤلاء هم ثمار ذلك الغرس الطائفي المتطرف.

الغريب، أو ربما من الطبيعي أن أفعال «داعش» لم ينلها، حتى الآن، ما تستحق من تنديد، دع عنك التجريم، سواء من رجال الدين أو مؤسسات كالأزهر والنجف وقم وغيرها، وخصوصاً أن «داعش» لم يصدر عنه أي فعل أو رأي غريب دينياً.

على السلطات عدم الاكتفاء بالتصدي أمنياً لهذا التنظيم الخطير، بل محاولة اجتثاثه فكرياً، وهذه قصة أخرى.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top