حب الظلام في وطن النهار

«.. اختلاط الرجال بالنساء شر عظيم وخطر كبير»!

هذا ما قاله النائب محمد هايف، ولم يحدّد لا مكان ولا زمان وقوع الشر العظيم والخطر الكبير، لكنه تعرّض للهجوم من البعض، لكن الأغلبية، المعنية بالأمر، اختارت الصمت!

لا يلام النائب هايف على مواقفه وآرائه، فهو حر فيها، فلي مثلاً آراء سبق أن كتبت عن الكثير منها، وإن كانت آراءً غريبة ومستهجنة، ولا تنسجم مع قيم المجتمع، وقبلتها الحكومة، فهي الملائمة في المقام الأول، وليست من اقترحها!

تقول الأكاديمية فاطمة دشتي، (بتصرّف): قبل اجتماع لجنة القيم في مجلس الأمة بوزير التربية، ومدير الجامعة، وآخرين، بيوم، كنت في نقاش مع صديق حول نتيجة الاجتماع، المعروفة لنا سلفاً، فحكم المحكمة الدستورية كان واضحاً، لا يحتاج إلى تفسير، حدد حيثيات معنى الاختلاط بشكل جلي، لكن صدمنا برضوخ وزير التربية لطلب «لجنة القيم» بإغلاق الشُّعب المختلطة بحجة تعارضها مع القيم الكويتية والشريعة؟!

هنا أود توضيح التالي:

أولاً: هل خالفت الجامعة القيم الكويتية الأصيلة وشريعتنا الإسلامية الغراء بفتح الشُّعب المشتركة بين الطلاب والطالبات؟!

عند بداية تعييني في الجامعة أستاذة، كانت الشعب متجاورة، بمعنى أن يجلس الطلاب في جانب، والطالبات في جانب آخر، وفي قاعة الدرس نفسها، وهكذا كانت الأمور في الجامعة منذ أنشئت في ١٩٦٦، ولم تفرض سياسة الفصل بالتعليم إلا بعد قانون منع الاختلاط عام ١٩٩٦، وبضغوط سياسية أقحموا الجامعة في صراعات سياسية ليست لها علاقة بها، وبتكلفة مالية أثقلت كاهل المال العام، بنفقات بناء فصول ومرافق مخصصة للإناث وأخرى للذكور.

منذ وجودي في هذا الصرح الأكاديمي لم أجد أي تجاوز من قبل طالباتي وطلابي لقيمنا وشريعتنا، سواء في اختيار المكان المناسب في الفصل، أو في التعامل مع الجنس الآخر، كان الانفصال تلقائياً، ولم يتطلب الأمر يوماً تدخلي، لأنني كنت أمام من ربتهم القيم الأصيلة والشريعة الغراء. وإن كانت هناك مخالفة للقيم والشريعة الإسلامية فهي صدور قرار يؤدي إلى إهدار المال العام وضياعه، وخلق نفقات غير ضرورية كان من الممكن تجنبها في ظل تعليم مشترك أثبت الواقع احترامه لقيمنا وشريعتنا الإسلامية.

ثانياً: هل خالفت الجامعة مبدأ المشروعية بمخالفة القانون وطرح شعب مشتركة؟

للإجابة عن هذا السؤال يجب الرجوع إلى حكم المحكمة الدستورية الصادر في ٢٠١٥، لتبيان معنى الفصل الذي يتطلبه قانون منع الاختلاط، فالقانون لم يحدد كيفية تحقيق الفصل بين الطلاب والطالبات في المباني وقاعات الدرس، ولم ينص على أن يكون هناك احتجاب تام للطالبات عن الطلاب، إذ يكفي لتطبيقه وضع أماكن خاصة للطالبات في قاعات الدرس ذاتها، وهو ما كان مطبقاً ولا يزال في الشعب أو الفصول المشتركة، وما تطلبه القرار بفصل شعب الطلاب عن الطالبات هو استزادة ليس لها داعٍ، أخلّت بمتطلبات العملية التعليمية التي لا تستقيم في نظرهم إلا بالفصل التام للطلاب عن الطالبات وفي شعب مختلفة، وهذا يخالف جوهر حكم الدستورية في تفسيره لمعنى الفصل، الذي لم يتطلب وجود حاجب بين الجنسين، ولم يعتبر وجودهم متجاورين في فصل واحد أو شعبة واحدة اختلاطاً. فالجامعة بطرحها شعبا مشتركة راعت بذلك ضرورات الواقع العملي من سعة مكانية محدودة وقاعات دراسية قد لا تغطي أعداد الطلبة في ظل التزايد الكبير للمقبولين.

فما تبعات هذا القرار؟ بعد قيام الطلبة بالتسجيل الاعتيادي في مراحله المختلفة، وخلال فترات زمنية متباعدة، وبمعايير تم تحديدها للطالب، قامت الجهات المسؤولة عن التسجيل في كلية الحقوق (كجهة منفذة للقرار) بسحب جداول الطلبة، وإعادة تسجيل الطلبة مرة أخرى، وفي ظروف يعلم الله ما هي من دون مراعاة للطلبة والقائمين على التسجيل، وقبل بداية العام الجديد بيومين، حتى يتسنى لها تطبيق قرار إغلاق الشعب المتجاورة، أو كما يقولون المختلطة، وهي تسمية غير دقيقة، فالاختلاط يعني الاندماج والملاصقة، وهذا لم ولن يحدث في قاعات مخصصة للدرس، وفي صرح أكاديمي كالجامعة يلتزم القيم من خلال أساتذة أفاضل وطلاب وطالبات تشبعوا بقيم وأخلاق كريمة.
***
وفي تغريدة مميزة للزميل عبداللطيف الدعيج، يصعب نشرها كاملة، يقول في سطورها الأولى، وهي الأهم: «صديناهم في الجهراء فطلعوا لنا في الصفاة.. اليوم وبعد مرور عقود، بل قرون على الانفتاح والتعايش السلمي، الذي اختبره الكويتيون وحرصوا عليه، بل دافعوا واستشهدوا ذوداً عنه في بعض الحروب والوقعات، التي كانت تستهدف «التمدن» والانفتاح الكويتي، اليوم أصبح الانغلاق مع الأسف منّا وفينا».

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top