الرقابة المسبقة وبطولة الفضل (1 - 2)

تنص المادة 175 من الدستور على أن الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصاً بلقب الإمارة، أو لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة!
* * *

المادة واضحة ولا لبس فيها، ولكن لم يتم العمل بها، ليس فقط لأن الدستور لم ينقح يوماً، بل وأيضاً لأن كل حكومات الكويت تقريباً، وعلى مدى 62 عاماً، لم تحاول التوسّع في مبادئ الحرية والمساواة، وفوق ذلك غضّت النظر عن كل القوانين والأنظمة، والتعليمات الشفهية، التي حدّت من الحريات، وما أُقرّ من قوانين، خاصة في السنوات القليلة الماضية خير شاهد، وغالباً بحجة المحافظة على الأخلاق، علماً بأن الأخلاق، بمعناها الضيق والواسع، في تدهور مستمر.
* * *
تقدمت قبل أيام لإحدى دور النشر، نيابة عن د. خالد منتصر، بطلب جلب كتابه «خلف خطوط الذاكرة.. سيرة ذاتية»، من مصر، أو إعادة طبعه في الكويت، بعد موافقة الناشر الأصلي، لكن تبيّن ان علينا الحصول على إذن من رقابة الكتب في «الإعلام»، لكن الرقابة رفضت إجازة الكتاب، بحجة أنه غير صالح للتداول، حيث إنني قارئ كتب منذ سبعين عاماً، ولم أجد في كتاب الأديب والطبيب خالد منتصر ما يمنع تداوله في الكويت، فقد قمت بالاتصال بالنائب المميز أحمد الفضل، لسؤاله عن المخرج، خاصة أنه والنائب السابق خالد الشطي كانا، في مجلس 2022، وراء إصدار تعديلات على قانون المطبوعات لعام 2006، حيث تم إلغاء الرقابة المسبقة على الكتب المستوردة، وجعل المستورِد هو المسؤول في حال مخالفته لأي من أحكام القانون، وتطبيقاً لنص المادة 37 من الدستور الكويتي، التي تنص على أن «حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون»!

لكن تبيّن ان «الإعلام» تمسكت بـ«وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون»، وقامت بإصدار قرار وزاري نزع عن قانون «الفضل/الشطي» كل زبدته، وأعاد العمل بنصوص القانون القديم، أي عدم جواز إدخال أو تداول أو بيع المطبوعات الواردة من الخارج إلا بعد إجازتها من الوزارة المختصة، وبعد التثبت من عدم احتوائها على ما يحظر نشره، والمحنة النفسية والمالية، التي تعرضت لها الأستاذة والناشرة بثينة العيسى، خير دليل على عدم اكتراث الوزارة بقانون الفضل/الشطي، والدليل الآخر أن المنع طال آلاف الكتب الأخرى، لأن الرقيب الفهيم رأى أنها لا تصلح لعقلية أو ذائقة أو مستوى فهم من يعيش في الكويت.

نكتب بحزن وألم على وضعنا الثقافي والأدبي والفني المتردي، كتردي خدمات الدواء والماء والكهرباء والطرق، لنؤكد أن الحكومة لا تريد للناس إلا فتات الحريات، فقد سمحت، بنص قانوني، لأي كتاب بدخول البلاد، دون المرور على الرقيب، لكنها سمحت لنفسها ولأي مواطن إحالة نص الكتاب للقضاء، إن وجد فيه «أي مطفوق» ما يعتقد أنه مسيء لمشاعره أو آرائه!

وحيث إن نسبة المطفوقين، بين هذا الشعب الطيب، أصبحت كبيرة، من أمثال «رقيب المقابر»، والقيّم على «لائحة القيم»، فإنهم سيسعون جاهدين لإحالة حياة ناشري الكتب إلى جحيم، وتضييع وقتهم في أروقة المحاكم دفاعاً عن كلمة في صفحة، أو جملة في كتاب لم ترق لذوق «نصف متعلّم». وبالتالي بقى سيف «منع الكتاب» والحق في مصادرته والحكم بغرامة مالية على من استورده أو نشره، وحتى سجنه، مسلطاً على رقابهم! وفوق ذلك من حق الوزارة الطلب من النيابة وقف بيع أي كتاب مطبوع يحال للقضاء، إلى حين البت في الدعوى، وهذا يعني انتظار سنوات وسنوات قبل السماح به، إن سمح به. ومن يقرأ بقية مواد القرار الوزاري فسيكتشف كم أصبح وضع الأدب والثقافة بائساً، والحكومة ليست في وارد السماح بدخول سطر مكتوب للبلاد، من دون مروره على لجانها، ويصف القرار أعضائها بأنهم قانونيون وباحثون وأكاديميون ومتخصصون في الآداب والثقافة والفنون والفلسفة والتاريخ! لكن القرار تناسى أنهم موظفون يعملون بأوامر رؤسائهم، وليس بناء على قناعاتهم الشخصية، فمن الطبيعي أن توجههم أما نحو التشدد أو نحو التساهل.

وإلى مقال الغد..

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top