ويسألونك من أي قبيلة أو طائفة

لم يبلغ الاصطفاف القبلي والطائفي إلى المستوى الحالي منذ بدء الحياة النيابية قبل ستين عاما، وبازدياد، وسيدمر الحياة النيابية وحياتنا تاليا! لا شك أن كل هذا «التكالب» للوصول للكرسي الأخضر لا يعود لأسباب وطنية أو الرغبة في تطوير التشريعات ونشر مبادئ الحرية والإخاء والمساواة بالضرورة، بل غالبا لتحقيق الثراء السريع، أسوة بمن سبقهم، وغالبا بمباركة حكومية، ولا يبدو أن النهج العام سيتغير كثيرا في السنوات الأربع القادمة، حتى مع شح الموارد. فالحكومة مجبرة على كسب ولاءات النواب بالطرق المتاحة لها. لا شك أننا أصبحنا، كغيرنا من دول العالم، نعاني تبعات الجائحة التي طالت، وما خلقته من مشاكل، مع ظهور كم الفساد الذي طال المستويات كافة. وتبين واضحا مدى الضرر الذي لحق بالنفوس قبل الجيوب، والذي قضى على كل ما كان لدى المواطن العادي من ثقة بنظامه الأمني والسياسي الحكومي. لقد اثبتت الأحداث التي تتالت علينا كالمطر المحمول بالسموم أن ثروة أي وطن لا تعني شيئا متى ما أصبحت القلوب مملوءة بالحقد والعنصرية والقبلية، التي قضت على أمم قبلنا، أكبر وأكثر ثراء. لقد علّمنا أبناءنا جدول الضرب وكيفية الوضوء وأداء الصلوات، وحفظ قصائد امرؤ القيس، وفرضنا مؤخرا على طفل الرابعة من العمر حفظ القرآن، وفي خضم كل هذا الهوس بالتعليم الديني لم ندرسهم ونعلمهم المعنى الحقيقي للمواطنة ومدى أهمية الأخلاق!

***

لقد زادت على مدى السنوات الخمس والسبعين ثرواتنا، وطنا ومؤسسات وأفرادا، ولكن تناقص لدينا الحس الوطني، وانحدرت أخلاق العامة مع كل تقصير حكومي في محاسبة المسيئين وسراق المال العام، ومخالفي القوانين، ولم يحاسب غير الفقير والضعيف الذي لا سند له، وحتى الحيتان والعساكر الفاسدة لا تزال يد القانون بعيدة عنهم، مستفيدين من التراخي الحكومي في محاكمة الفاسدين. لقد تحولنا بفعل فاعل الى شعب ينتظر اللقمة من الحكومة، وما ان يبلعها حتى يمد يده طالبا غيرها! وإن سعت الدولة الى أن تفيد أبناءها وتطرح أسهم شركات جديدة للاكتتاب بها، تقاعست الغالبية عن شرائها بحجج واهية، ليحقق من يسمون «مصاصي الدماء» الثراء منها، ولتتصاعد أصوات المتقاعسين بعدها طالبة إلغاء القروض. إن الاستثمار الوحيد الناجح هو في الإنسان، ونحن نسينا هذا الإنسان، ونسينا الدنيا، وركزنا كل قوانا ووقتنا وجهودنا على دفع هذا الإنسان «عنوة» للفوز بالآخرة، وهذا مقبول، ولكن يجب ألا نأتي بعدها ونتباكى على ضعفنا، وتكالب الآخرين علينا ونهش أعراضنا! انفقت أمة المليار ونصف المليار إنسان عشرات المليارات على شراء جهاز واحد، وهو الهاتف النقال، دع عنك آلاف الأجهزة الأخرى، والذي لا يزيد وزنه على 200 غرام، ولكنه يحتوي على ملايين الأفكار والابداعات والاختراعات والتطبيقات، التي لا دور لأمة المليارات بها، ومع هذا لا يزال لساننا أطول من غيرنا، وخطرنا أكبر، وضررنا أشمل، وفائدتنا للبشرية أقرب للصفر من غيرنا، لأن تساؤلاتنا عن مذهب وقبيلة بعضنا البعض لا تزال قوية ومستمرة.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top