شريعة وأحلام الأخت فلورنس

ان مشكلة العالم، في جزء منه، تكمن في أن أذكياءه يملأهم الشك في كل شيء، بينما أغبياؤه يمتلئون ثقة بأنهم على حق!
***
أبدى ديوان الخدمة المدنية تخوفه وقلقه من «تكدس» طلبات العمل المقدمة من «خريجي» كليات ومعاهد الشريعة، وازدياد أعدادهم بمعدل 600 خريج في كل دفعة، مع رغبة غالبيتهم العمل بوظائف حكومية، شريطة أن تكون بعيدة عن «تخصصهم»!

وذكر الديوان ان الطلب على خريجي الشريعة ضئيل، خاصة في الأوقاف ووزارة التربية. وأن كل محاولات الديوان وسعيه لدى جامعة الكويت ووزارة التربية والمعهد التطبيقي للحد من تخريج هؤلاء، بما لا يتوافق مع خطط الدولة والديوان، إلا أن الاستجابة منها كانت سلبية بشكل عام! علما بأن تخلف الجهاز الإداري يعود في جزء منه لوجود تخصصات لا حاجة لها أصلا!
***
أعتقد انني والفقيد الكبير «أحمد البغدادي» كنا من أوائل من عارض مساواة خريجي الشريعة بخريجي كلية الحقوق. كما عارضنا دمج كلية الشريعة بكلية الحقوق، وعارضنا قبول خريج الشريعة العمل في السلك القضائي أو في إدارة التحقيقات، كما عارضنا بشدة فتح الباب مشرعا أمام قبول هؤلاء في أية وظيفة متاحة، بخلاف ما تخصصوا في دراسته، وهو تخصص مطلوب في المجالات المهمة التي نحن أحوج ما نكون لها بغية استبدال كل هذا العدد الكبير من المؤذنين والأئمة من غير المواطنين، ولكن المشكلة أن حرص المواطنين على الالتحاق بمعاهد وكليات الشريعة لا يقابله نفس الحرص للعمل في المجال نفسه، بعد التخرج، بل يعود لسهولة الدراسة فيها واستخدامها تالية كرافعة لوظائف أخرى مرموقة أكثر وعليها إقبال أكبر!

والأمر المؤسف الآخر أن لا جهة في الحكومة، وطوال عشرات السنين، أبدت قلقها من وضع هؤلاء، وكل ذلك خوفا من سطوة المنتمين للأحزاب الدينية على الجهات الأكثر استفادة من خريجي هذه الكليات والمعاهد، والذين يدينون لها بالولاء شبه التام! وحده ديوان الخدمة المدنية فاض به الكيل و«بق البحصة» ودق ناقوس الخطر، فهل من يسمع؟
***
من جانب آخر، نجحت الدولة، وبعد صرف عشرات ملايين الدنانير، وعلى مدى 60 عاما، من «تخريج» 1200 ممرض وممرضة كويتية، بتكلفة هي الأعلى على مستوى العالم أجمع.

بخلاف بعض من تبقى في عمله من هؤلاء، من ذكور وإناث، خاصة في الجهات غير المدنية، إلا أنني لم ألتق يوما بممرضة كويتية في مستشفى حكومي، بالرغم من أن عدد أعضاء جمعية التمريض الكويتية، التي تأسست قبل أربعين عاما، يتجاوز الـ850 عضوا، فأين ذهب غالبية هؤلاء؟

هل اكتفوا بالراتب المجزي والعلاوة الكبيرة، وتركوا «فلورنس نايتنجيل» وأحلامها وراءهم؟

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw


الارشيف

Back to Top