شهادة العراقي هشام

أنا هشام الملاك، المواطن الأوروبي الحر، الذي تسبب صدام في قتل أهله وتهديد حياته ودفعه لمغادرته وطنه الحبيب.. وهذه شهادتي للتاريخ.

***

من حق أي فرد تعرّض وطنه لغزو غاشم أن يتحدث عن مشاعره علناً، ويشرح آلامه ومصائبه وما جرى له ولأهله وأحبته، وهذا ما قام به الصديق أحمد الصراف، في أكثر من مقال. كعراقي أعلم يقيناً الكثير عما قام به طاغية العراق، صدام، في غزوه الهمجي للكويت، التي كنت حينها فيها، وشاهدت بعيني ما جرى، وتعرضت شخصياً لمعاملة قاسية لا بل همجية من أتباع النظام، وأنا العراقي فكيف بالكويتي. لقد خاض الطاغية صدام حروباً داخلية وخارجية عبثية، وكانت النتيجة تدمير العراق، وما تبع ذلك من ويلات وخراب، وأدى تالياً لشبه انحلال العراق على أيدي من جاؤوا بعده، بسبب سوء تصرفاته الحمقاء.

***

لقد سبق أن لمست «حساسية» غير مبررة لدى عراقيين تجاه الكويت والكويتيين. وكنت أعتقد أن الوقت والحقائق التاريخية ستقضي عليها تدريجياً، خاصة وأن الكويتيين كانوا دائماً يكنون المحبة والإخاء لأهل العراق، الذي هاجرت منه للكويت أسر كبيرة منذ الخمسينات وصارت جزءاً من مواطنيها، ولكني كنت على خطأ، بالرغم من أن الكويت لم تتردد يوماً في احتضان أعداد كبيرة من العراقيين الذين رفضهم وطنهم، بعد أن أصبح مجرد التحدث عن النظام سبباً في اضطهادهم. ففي الكويت تلقى الشاعر «بدر شاكر السياب» العلاج في المستشفى الأميري وفيها توفي. كما عاشت فيها لميعة عباس عمارة لفترة ليست بالقصيرة، وكانت الشاعرة الكبيرة «نازك الملائكة» أستاذة في جامعة الكويت، ودرّس في مدارسها الشاعر سعدي يوسف، وكذلك عاش بها الشعراء عبدالكريم كاصد ومصطفى عبدالله وزهير الدجيلي، وغيرهم الكثير من الأدباء والفنانين المعروفين والأكاديميين المرموقين، الذين لا يتّسع المجال لذكرهم.. وبعضهم لا يزال يعيش هنا بين أهله وأصدقائه الذين لا يعرف غيرهم، ومنهم الأستاذ الروائي جمال حسين علي المحرر الثقافي والسياسي المعروف في القبس. كما كان صديق عزيز يعمل مستشارا قانونيا للخطوط الجوية الكويتية، وبعد التحرير لم تتردد الحكومة الكويتية في صرف كامل مستحقاته. كما لم تتعرض أموال المواطنين العراقيين، أو ودائعهم في البنوك الكويتية، كما الحال مع باقي مواطني الدول الأخرى، حتى تلك التي وقفت حكوماتها ضد الكويت، لأية مصادرة أو تأخير، بل تم تحويل كل أرصدتهم ونهاية خدماتهم وحصصهم في شركاتهم الخاصة لحساباتهم في الخارج، وكنت أحد هؤلاء، وهذه حقائق لا يعرفها الأغلبية! لقد وفّرت الكويت فرص العيش الكريم والحياة المستقرة ليس فقط للعراقيين، بل ولمواطني أكثر من 120 بلداً. وكانت واحة حرية في محيطها، وهذا ساعد في إطلاق العنان للإبداع فيها. كما عمل في دور صحفها أفضل الصحافيين العرب، وشكلت ملجأ للمضطهدين منهم.

***

لا توجد «مدينة فاضلة» في هذا العالم، ولكن الكويت كانت دائماً المكان الذي توافر فيه الحد أدنى من الطمأنينة وفرص الحياة الهادئة المستقرة، وخاصة لأبنائنا الذين وُلد بعضهم فيها وتلقوا التعليم في أرقى مدارسها، قبل أن ينطلقوا منها للعالم. بالرغم من كل ما حدث بين العراق والكويت، فإن عشرات الآلاف من العراقيين لا يزالون يقيمون فيها، مثلهم مثل غيرهم.  أذكر كل ذلك من دون تردد للأمانة وعرفاناً بما قدمته الكويت لي ولغيري من العراقيين ولأسرنا من حياة كريمة كنا، مع الأسف الشديد، محرومين منها في وطننا، الذي لا تبعد حدوده عنها غير بضعة كيلومترات.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top