صراخ العجزة

لم تتوقف غرفة التجارة والصناعة يوماً عن دق ناقوس الخطر، وسبقها وتبعها في ذلك كل مخلص محب لهذا الوطن، ومنها القبس، محذرين من المستقبل غير المعروف للدولة في ظل كل هذا التخبط الاقتصادي والفوضى الإدارية التي نعيشها. من يصدق أن دولة مثل الكويت، التي كانت الأقوى والأبهى والأفضل في محيطها، حتى الأمس القريب، يمكن أن تكون بكل هذا التردد في اتخاذ قرار سريع وحازم يتعلق بسد العجز المستعجل والمستفحل في موازنتها، ومعالجة الاختلالات الهيكلية فيها، على مدى عام تقريباً، ووضع خطة اقتصادية واضحة المعالم وقابلة للتطبيق. ما لا تود الحكومة تصديقه أن عصر النفط قد ولّى، أو كاد، ومن الضروري التفكير جدياً في إيجاد مصادر دخل بديلة، فالشركات اليابانية، وتسلا وأبل وغيرها تتسابق يومياً في إنتاج أفضل البطاريات والسيارات الكهربائية، وتقليل الاعتماد تدريجياً على النفط، في المديين المتوسط والطويل، إلى بلوغ الصفر تقريباً. لقد كان المشرّعون، في بداية الاستقلال، من الحكمة بمكان عندما قرروا حجز واستثمار %10 من دخل النفط لضمان مستقبل الأجيال القادمة. فكيف أصبحنا، بعد 60 عاماً، ومع زيادة المخاطر وزيادة السكان أقل حصافة وحكمة منهم؟ ما تجمع لدى الدولة من مبالغ مستثمرة يمكن أن ينتهي في فترة لا تزيد على خمس سنوات، إن استمر الصرف الحكومي بمعدله الحالي. ومن الضروري بالتالي التفكير جدياً في تقليل النفقات وإيجاد مصادر دخل أخرى سواء صناعية أو سياحية، وهذه أو تلك لا يمكن أن تنجح أو تحقق عائداً، إن أصرت الإدارة الحكومية على نهجها المتحفظ، واستمرار الإغلاق والانغلاق الفكري والتجاري، وإبقاء الدولة رهينة قوى سياسية دينية متخلفة، تعتقد أن لا أحد غيرها يمتلك الحقيقة، والتي أجازت لنفسها الاستمتاع بكل شيء وحرمته على غيرها، فهي ترسل أبناءها للدراسة في الغرب وتطالب الغير بإرسال أبنائهم إلى بيشاور. إننا نعيش في أزمة اقتصادية حقيقية، والموازنة العامة عاجزة والاحتياطيات المليارية قد جفت تماماً، وبدأت الحكومة بتسييل بعض الأصول، ومع هذا فإن الهدر مستمر، وتصنيفاتنا السيادية أيضاً في تردٍ مستمر، حتى مؤسساتنا المالية العريقة أصبحت تعاني من انخفاض تصنيفاتها. المؤلم بالفعل أن الحلول موجودة، ولكنها ليست سهلة، ولا أدري متى كانت العمليات الجراحية رحلة سياحية ممتعة؟ ما نحتاج له هو وزارة قوية ورجال دولة قادرون على اتخاذ حزمة من القرارات المصيرية التي تقلب وضعنا الاقتصادي والمعيشي إلى شيء آخر أكثر أماناً لنا ولأبنائنا من بعدنا. فجميع المؤسسات العالمية والمؤشرات الدولية تحذرنا منذ أكثر من خمس سنوات من استمرار تردي وضعنا المالي، وضرورة اتخاذ إجراءات غير شعبية، أما الاستمرار بمقولة «جيب المواطن لا يمس» فإنه سيودي بنا في «داهية»، فكل حل يكلف اليوم ملياراً سيكلف في اليوم التالي أكثر من ذلك. ومن واجب الحكومة مصارحة الشعب بحقيقة الوضع وبأن زمن الرفاهية قد انتهى، وأن علينا إدراك ذلك والتصرف بموجبه، فالتعويل على البرلمان لتلافي الانهيار وصفة خراب محققة، فغالبية أعضائه إما بعيدون عن الاقتصاد، أو أنهم غير ميالين إلى الحلول التي «قد» تؤثر على دخل «الموظف الحكومي» بالذات! غير مدركين أن استمرار الهدر الحالي سيكلف هذا الموظف أكثر بكثير من غيره، إن استمر تجاهل التحذيرات التي تردنا كل يوم ومن كل اتجاه.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top