خراب نظامنا البرلماني

كتب النائب محمد هايف التغريدة التالية مباشرة بعد انتهاء استجواب وزير المالية فلاح الحجرف، وسقوط طرح الثقة به: اشترطت على وزير المالية التعهّد بوقف الربا وتطبيق فتوى الأوقاف في قروض المتقاعدين، وتنفيذ أحكام قضائية صدرت لمصلحة موظفين مظلومين في التأمينات مقابل عدم توقيعي على طرح الثقة به، وقد تعهّد الوزير أمام عدد من النواب بذلك.
* * *
هذه التغريدة وحدها تكفي للتدليل على سذاجة وضعنا السياسي، وهزال العلاقة بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، وعدم جديتها، واستعداد الطرفين الضحك على المواطن. فلا النائب من حقه طلب مثل هذا الأمر شبه المستحيل، ولا الوزير يملك الحق في أن يعطي شيئا لا يملكه أساسا مع احترامنا للطرفين. كما بيّنت التغريدة أن طرح الثقة كان ولا يزال موضع مساومة في المجلس، ولا علاقة للأمر بتقصير الوزير وضرورة طرح الثقة به، أو عكس ذلك.
* * *
ربما يكون النائب محمد هايف أكثر النواب صدقاً في مواقفه، وأكثرهم حماسة لتطبيق ما يؤمن به، ولم يحاول يوما إخفاء مقاصده، لكن ليس هكذا تورد الإبل. بإمكاني الادعاء، بحكم السن والخبرة في مجال المال والأعمال، أن ما طلبه النائب وما وافق عليه الوزير هو لعب وضحك على الناخب، والمواطن بشكل عام! فالنظامان الماليان الكويتي والعالمي يرتكزان على حقيقة أن للمال قيمة آنية، وهذه القيمة تتناقص مع الوقت. فما نستطيع شراءه اليوم بثمن محدد، يستحيل شراؤه بالثمن نفسه بعد سنة مثلاً! وبالتالي، يتطلب الأمر تنمية ذلك المال بطريقة أو بأخرى. فلو قام شخص مثلاً بتخصيص مليون دينار لمنح المحتاجين قروضاً حسنة يعيدونها له بعد خمس أو عشر سنوات، فسيعود له المليون بعدها فاقداً نسبة مئوية من قيمته، ولهذا اتفق البشر منذ ايام الحجر على أن من يرد اقتراض مبلغ من المال فعليه رده بعد فترة، تقصر او تطول، مع نسبة محددة، وهي النسبة التي أصبحت اليوم معروفة وعالمية وتتعامل بها كل دول العالم بلا استثناء. وبالتالي فإن أي تغيير يطالب به السيد النائب محمد هايف سيكون بالفعل شكلياً بحتاً، فالنظام العالمي واحد وان تعددت تسمياته، وما يرد في عقود المداينة أو الاقتراض بين أي مصرف وأي مقترض لا يُخفي الهدف من عملية الاقتراض الذي يتمثل في تحقيق الربح والمنفعة لطرفَي العقد ونسبة الربح جرى تحديدها غالباً طبقاً لما هو سائد على فوائد الودائع أو الاقتراض بالدولار. وبالتالي، نتمنى قيام السيد وزير المالية، برد ما تبقى لدينا من ثقة ضئيلة بنظامنا البرلماني، ونفي صلته بتلك التغريدة، وبيان أن الأمر ليس بتلك السذاجة، بل يتعلّق بنظام مصرفي راسخ يستحيل تغييره بجرة قلم.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top