مهاتير.. الذي أخرجني من التقاعد
قمت خلال العقود الثلاثة الماضية بزيارة ماليزيا عدة مرات، فهي جميلة وآمنة ونظيفة وتعتبر، إضافة إلى تركيا، من الديموقراطيات النادرة في محيطنا الدكتاتوري الواسع، والسبب يعود بصورة رئيسية إلى الجالية الصينية القوية فيها واستفادة قيادتها بعد الاستقلال من تجربة الزعيم السنغافوري الكبير لي كون يو الذي حول جزيرة من 700 كلم2 إلى معجزة اقتصادية وسياسية وصناعية رائعة.
أصبح مهاتير رئيس وزراء سلطنة ماليزيا عام 1983، وقاد نهضتها الاقتصادية على مدى عقدين مثمرين، وكان مثال الاستقامة والنزاهة السياسية، وأحال نفسه، وهو في السابعة والسبعين، إلى التقاعد، بعد تسليم مقاليد الحكم عام 2003 لخلفه عبدالرزاق. ولكن يبدو أن القدر كان يريد له شيئا آخر، فقد عصفت الفضائح المالية بسيرة سلفه وحكومته، بعد أن تجاوزت الفضائح المالية المليارات الأربعة بكثير، وبدأت القصة مغ انكشاف أمر تبرع دولة خليجية بمبلغ قدره 682 مليون دولار لماليزيا ذهب لحساب رئيس الوزراء الخاص، دون «إحم ولا دستور»، أو تفسير منه أو من الجهة المتبرعة، التي أقرت تاليا بأن المبلغ كان هدية! وبالتالي لم يجد محمد مهاتير بدا من الخروج من تقاعده وخوض الانتخابات النيابية، فهو الوحيد الذي يمتلك الشعبية والسمعة للإطاحة برئيس وزراء قوي وفاسد، ويمتلك الكثير. وهكذا دخل مهاتير وهو في الثانية والتسعين معمعة الانتخابات، ونجح في هزيمة خصمه، ومنعه تاليا من السفر، وسيقدم إلى المحاكمة قريبا.
دخل مهاتير التاريخ بكونه أول رئيس وزراء في التاريخ يتم انتخابه وهو في ذلك العمر المتقدم، وبعد 15 عاما من تقاعده. والغريب أن الانتخابات جرت بنزاهة تامة ولم يحاول، أو ربما لم يتمكن، رئيس الوزراء السابق، بكل ملياراته، من التأثير فيها!
تقاعدت تقريبا قبل 5 سنوات وسلمت أموري المالية لأبنائي، وتفرغت للكتابة، بعد أن ورثتهم، وأنا حي، أغلب ما أملك، وشاركتهم في ما تبقى. وعلى الرغم من أنني غير نادم على قراراتي المالية، فقد كانت بنظري، ولا تزال صائبة، فإنني نادم على تقاعدي وسأعود إلى العمل بقوة أكبر، فالحاج مهاتير ليس أفضل مني، خصوصا أنني على قناعة بأنني سأعيش حتى 96 من العمر، وربما لما بعد ذلك، وتوصلت لهذا الرقم من خلال الإجابة على مجموعة أسئلة شركة تأمين على الحياة تتعلق بمعرفة العمر الافتراضي لأي شخص.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top