بوشكين الحبشي.. وشوقي الكردي

قضيت عشرة أيام في ثاني رحلة جماعية لروسيا، وسأكتب عن بعض انطباعاتي في هذا المقال وفي مقال قادم.
سيحتفل الروس في السادس من الشهر المقبل بمرور 179 عاما على ميلاد الشاعر والأديب العظيم الكسندر بوشكين pushkin.
نشأ بوشكين في أسرة ارستقراطية مترفة، وكانت والدته حفيدة إبراهام جانيبال، الحبشي الأفريقي المقرب من القيصر بطرس الأكبر، ومنها ورث شعره الأجعد وشفتيه الغليظتين.
كانت لبوشكين زوجة رائعة الجمال وكان يتيم بها حبا، وفي أحد الأيام انتشرت إشاعة عن علاقتها باحدى الشخصيات. وفي محاولة للدفاع عن «شرفه وسمعة زوجته» طلب من غريمه الدخول معه في مبارزة، وكانت النتيجة إصابتهما معا، ووفاة بوشكين بعدها بيومين متأثرا بجروحه.
على الرغم من أن بوشكين لم يعش لأكثر من 38 عاما، فإنه ترك إرثا خالدا وراءه لا يمكن أن ينسى، وأصبح أمير شعراء روسيا. فهو الأب المؤسس للغة الروسية الحديثة بعد أن نجح في كسر الحاجز الفاصل بين العامية الروسية واللغة الكلاسيكية الارستقراطية القديمة. كما أن موهبته في كتابة المسرحيات الدرامية والروايات والشعر بمختلف أنواعه لم تقل عن مواهبه العديدة الأخرى.
كما سبق بوشكين عصره وغيره في طرق مواضيع اجتماعية وسياسية في غاية التعقيد والحبكة والذكاء لم تكن تخطر على بال أقرانه ومن أتى بعده من عمالقة الروس من أمثال دستويوفسكي وتولستوي وشيخوف. واعترف له الكثير من عمالقة الأدب الروسي بالفضل.
كما طالب بالعدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي، من دون خوف من أن يبطش الإمبراطور الاسكندر الأول به، وتعرض للنفي وللحجز، والتخفي والدخول في عدة مبارزات مع نبلاء ومتنفذين.
ومن أكثر الأدلة سطوعا في بيان أهمية بوشكين أن مجتمعات وسلطات ثلاثة أنظمة حكم سياسية واجتماعية مختلفة تماما اتفقت على عظمته. فقد كان موضع احترام وتقدير في عهود القياصرة الروس. وعندما أطاح البلاشفة الروس بالنظام القيصري زادوا من الاحترام لبوشكين ولدوره في التمهيد والتعجيل بالثورة. وبعد البريسترويكا، وانهيار النظام الشيوعي في روسيا استمر الاحترام والاعجاب والتقدير لبوشكين، كما لمسته في عيون الصغار والكبار، وعلى كل لسان. فهناك مدن تحمل اسمه إضافة إلى مسارح ومتاحف عامة وخاصة بآثاره، هذا غير شوارع وفنادق تحمل اسم الشاعر الكبير.
ولكن عندما نولي وجهنا شطر دولنا فماذا نجد؟ نجد أننا لو أخذنا فقط سيرة أمير الشعراء أحمد شوقي، دع عنك المتنبي والرصافي ونزار قباني، ومئات غيرهم، لوجدنا أنه يشترك مع بوشكين في أمور عدة، فقد تربى مثله في بلاط الخديوي إسماعيل، وعاش عيشة مترفة، وكانت أصوله تختلف عن اصول من هم حوله، كبوشكين، فوالد شوقي كان كرديا أو شركسيا، وأمه يونانية تركية، والاثنان نالا لقب «أمير الشعراء» في بلديهما، ولكن لا شوقي ولا أي من نوابغنا حصل، كالعادة، على %1 مما حصل عليه بوشكين من تقدير واحترام بين قومه. فهل من يتعجب من وضعنا «الكسيف» هذا؟
❊ ❊ ❊
ملاحظة: أعتذر لكل القراء عن الشطب الذي جرى على مقال الخميس من دون علمي، بحيث جعل موضوع المقال تافها ودون المستوى.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top