أوراق المخابرات «ما بتموتش»

في منتصف خمسينات القرن العشرين هرب إسماعيل السيد من سجون جمال عبدالناصر، ووصل عن طريق البصرة للكويت، وبقي فيها أكثر من نصف قرن، قبل أن يتوفى ويدفن فيها قبل بضع سنوات.
تعرفت عليه في نهاية السبعينات، عندما كان يمتلك ويدير شركة مقاولات كبيرة. نجح في عمله وكون ثروته بفضل دعم الإخوان له منذ وطئت قدماه أرض الكويت، وسبق أن كتبت مقالات عنه، أو عما رواه لي من قصص وفضائح الإخوان، الذين فقد ثقته بهم في مرحلة تالية.
كنت أعمل في البنك، عندما طلب مني مشاركته في أعماله، ولكني رفضت عرضه المغري جدا، وأبديت له الأسباب، فأعجب بصراحتي، وأصبحت مع الوقت مصدر ثقته، فكان يستثمر أمواله معي، وفي فترة تالية سجل بيته الكبير في السرة باسمي، وكان يقول، بين الجد والمزح، كلما التقينا، وأمام الجميع بأنني الشخص الوحيد الذي يثق به، بالرغم من كل ما كان بيننا من فوارق العمر والفكر والانتماء وغير ذلك.
أثناء وجوده في الكويت، وبعد 40 عاماً من هروبه من مصر، نجح في استصدار عفو رئاسي عنه من الرئيس السادات. وبعدها حصل على عفو آخر من الرئيس حسني مبارك. ثم عندما شعر بدنو أجله قرر أن يزور وطنه مصر لأيام، ليرى ويودع من تبقى من أهله على قيد الحياة. سبقه أولاده وزوجته إلى هناك، وكانت المفاجأة بانتظاره، فما أن قدم جواز سفره حتى تقدم منه رجل مخابرات واقتاده لمكان اختفى فيه لأكثر من عشر ساعات قبل ان يعود لأهله منهكا.
روى لي، بعد أن عاد للكويت، ما حدث له مع المخابرات المصرية، وكيف اقتادوه لمبنى تحت الأرض، وقاموا باستجوابه، فأبرز لهم الأمرين الرئاسيين بالعفو عنه، فقال له الضابط، الذي كان يستجوبه: يا حضرة! الرؤساء يموتون والانقلابات تأتي وتذهب، بس أوراق المخابرات ما بتموتش، ولا تذهب.
تذكرت تلك الجملة عندما تقدمت و80 مواطناً بطلب إلى وزارة الشؤون، لإشهار «جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية». تم قبول الطلب وتحويل الأسماء لوزارة الداخلية للتأكد من عدم وجود ما يمنع اي من المؤسسين من الدخول في تأسيس «جمعية خيرية»، حتى لو كانت عليهم مخالفات سير غير مدفوعة.
بالبحث قامت الداخلية باستبعاد 15 اسماً من الكشف، بينها اسمي. أسقط في يدي، فعدم وجودي بين المؤسسين، مع الاحترام لهم جميعاً، قد يفقد البعض حماسهم في الاستمرار في الفكرة. بالسؤال أكثر هنا وهناك، وإجراء عشرات المكالمات والاستعانة بأصدقاء ومتنفذين، نجحنا في الوصول للدولة العميقة، حيث بين «الأرشيف» أننا سبق ان ارتكبنا في يناير 2000، اي قبل أكثر من 18 عاما، مخالفة وضع إعلان. أجرينا اتصالات أخرى وأبدينا استغرابنا من الأمر، فقضية كهذه كان يجب أن تسقط بالتقادم!
بعد تأخير قاتل وافقت «الدولة العميقة»، على أن تلك السابقة يجب ألا تمنعني من المشاركة في تأسيس الجمعية. وهنا تذكرت كلمة ضابط المخابرات لإسماعيل السيد، بأن الدنيا تنقلب والزعماء يموتون، اما أوراق المخابرات فإنها تبقى حية إلى الأبد.
انشغالنا بتبرئة ساحتنا ضيع علينا فرصة إعلام البعض الآخر من المؤسسين، ممن عليهم مخالفات بسيطة، كعدم وجود بصمات لهم في الادلة الجنائية، من أن يكونوا معنا في كشف المؤسسين، ولهؤلاء أقدم خالص اعتذاري، وهم سيكونون حتما معنا في الجمعية كأعضاء خيرين فاعلين.
نكرر شكرنا لوزيرة الشؤون، ولكل من ساهم معنا، خاصة الفنان والمخرج العالمي سليمان البسام، لدوره المادي والمعنوي، الذي لا يمكن نسيانه، في تسهيل تأسيس هذه الجمعية، وضمان نجاحها مستقبلا.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top