المؤامرة والطبيب

ورد على الإنترنت مقال للكاتب الأردني عبدالرزاق بني هاني، ذكر فيه أنه استمع عام 1976 إلى محاضرة عن «علم التجهيل»، وأنه لم يصدق ما سمع، إلى أن التقى بصديق أميركي يعمل في مؤسسة راند rand corporation، أخبره بأن هناك جهات حكومية غربية متخصصة في هندسة الجهل وصناعته وتغليفه، ومن ثم تسويقه على نطاق واسع، وأن مستهلكي سلعة الجهل، بحسب رأي صديقه، هم الفقراء والأقليات الاجتماعية والدينية وعمال البلديات وسكان الأرياف، وعمال المزارع، والعسكريون، ومعلمو المدارس وأساتذة الجامعات. ونسبة هؤلاء وحدهم تصل غالباً إلى %90 من حجم سكان أغلبية الدول. أما الفئة الثانية، فهم معظم المتدينين، وأولئك الذين عليهم مسؤولية تجهيل أكبر عدد ممكن منهم. أما الفئة الثالثة، فهي المغفلون الذين يعملون في حكومات الدول الفقيرة، والتكنوقراط الذين يقدّمون النصح والمشورة لمتخذي القرار في دولهم. وأن هؤلاء يتم تدريبهم على تمرير الجهل وتبريره تحت مسمى النظرية والعلم، ويأتي في مقدمتهم المعنيون بالشأنين السياسي والاقتصادي، الذين تنحصر مهامهم في بث روح اليأس في نفس صاحب القرار من إمكانية الإصلاح، وممارسة الكذب على عامة الناس وترسيخه في أذهانهم على أنه حقائق لا بد أن يدافعوا عنها، إلى آخر «نظرية المؤامرة»!
على الرغم من أن الكثيرين يؤمنون بصحة هذا الكلام، فإن تناقضاته تدفعني إلى قول العكس، ولكن ردود الفعل التي وردتني من الكثيرين، خصوصاً ممن يسبقون أسماءهم بحرفي «أ.د»، دفعتني إلى الشك في صحة موقفي، وأن هناك بالفعل حركة تجهيل ممنهجة في مجتمعاتنا، وإلا كيف يمكن أن يكون جماعتنا بكل هذه البساطة؟
ذكر صديق أنه يعارض الاستعانة بخبرات الأجانب، وأنه من المؤسف أن نستقدم مدربين من الخارج لكرة القدم، وكأن ليس في الكويت من يستطيع القيام بهذا العمل، ولكن صديقي تناسى أن الكرة فن وصناعة عالمية ضخمة تدر المليارات على أصحابها. وبالتالي، ليس عيباً الاستعانة بمدرب أجنبي. فهذا نادي ريال مدريد مثلاً – وعشرات الأندية الأخرى – يستعين بمدرب فرنسي من أصل جزائري لتدريب أعظم فريق أسباني. حتى بريطانيا، مهد الصناعة المصرفية، لم تتردد في تعيين كندي في منصب محافظ البنك المركزي bank of england، الأكثر حساسية وخطورة في عالم المال والاقتصاد.
وسؤالي لمعارضي الاستعانة بخبرات أجنبية: ما الذي سيفعلونه مثلاً لو أصيبوا بمرض خطير، هل سيلجأون إلى أفضل أطباء العالم، ومن أي جنسية كانوا، أم سيتجهون للطبيب الوطني، في جميع الأحوال؟ الجواب معروف. وبالتالي، لماذا لا نريد لوطننا ما نريده لأنفسنا؟
الطريف في الموضوع أن كل «الغيورين» على تكويت الوظائف ليست لديهم أدنى رغبة أو اهتمام بالحلول محل «الأجانب»، والقيام بدلاً منهم بأعمال ووظائف التمريض والحلاقة والجزارة والتنظيف والحراسة وبيع التجزئة، وحتى الإمامة ورفع الاذان وآلاف الوظائف الفنية والعملية الأخرى، بل يضعون نصب أعينهم الحلول محل الخبراء والمتخصصين، وهم على ثقة بأنهم غالباً لا يعرفون شيئاً عن كيفية القيام بأعمالهم.
نختم مقالنا بالقول إنه في حال وجود حركة تجهيل غربية لمجتمعاتنا، فإننا نطالبهم بتوفير أموالهم، فنحن {نجهل فوق جهل الجاهلينا}!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top