الاقتداء بالسلطنة
انتشرت على وسائل التواصل صورة تعميم أصدره «والي ولاية الكامل والكافي» في سلطنة عمان، بناء على طلب وزير الداخلية العماني، تضمن أمرا لكل مشايخ ورشداء الولاية من خطورة تنامي ظاهرة التجمعات والملتقيات القبلية بين ابناء القبيلة الواحدة من مختلف ولايات السلطنة، والتي شارك فيها اشخاص من خارج عمان ينتمون لذات القبيلة. كما حصل في الكويت قبل فترة، وقيام وفود قبلية بتظاهرة، خلال زيارة القبيلة لدولة أخرى، كأنهم رؤساء دول، وخلق حالة من الاصطفاف القبلي.
وورد في الأمر أن لهذه اللقاءات دورا في تكريس القبيلة على حساب دولة المؤسسات والقانون، ونظرا لما قد يترتب عليها من آثار للتنافس القبلي وظهور خصومات وتنافر بين افراد المجتمع أو استغلال ذلك لتحقيق غايات وأهداف ذات بعد قبلي، لا سيما إبان الانتخابات، فإن معالي وزير الداخلية يؤكد على أهمية مشاركة المشايخ والرشداء في تبصير جماعتهم بالابتعاد والتوقف عن هذه التجمعات على مستوى القبيلة.
* * *
وفي الكويت، يوجد لدينا قانون يمنع الانتخابات الفرعية، الطائفية والقبلية بالذات، ويمنع التجمعات بكل اشكالها، ولكن حكومتنا فشلت في الحد أو القضاء على الظاهرتين غير القانونيتين، ونحن بالفعل في حاجة للحزم في الحد من هذه الظواهر لما تشكله من خطورة. فنصف المجتمع، على الأقل، يفضل انتماءه القبلي، وبدرجة أقل بكثير، انتماءه الطائفي، على الانتماء لدولة المؤسسات والقانون، والحكومة غالبا لا تكترث لخطورة هذه الازدواجية، التي هي بالفعل سبب نسبة كبيرة من حالات الفساد التي تفتك بالمجتمع، فالانتماء القبلي أو الطائفي، المسكوت عنه، والمبارك أحيانا، يبرر للموظف العام مراعاة ابن قبيلته، وطائفته، وربما قبوله تزوير أي مستند لمصلحته، طالما أن في ذلك قوة للقبيلة وعزتها.
وبالتالي نحن بالفعل بحاجة لقرارات تشبه قرار السلطنة، وضرورة إشاعة روح المواطنة والانتماء للوطن، ونبذ الانتماء لغيره، وهذا ليس بالأمر السهل إن لم تقتنع السلطات جميعها بدولة المؤسسات وتمنع التجمعات القبلية، والدينية السياسية، والطائفية من استخدام ألقاب زعامة.
كما يتطلب الأمر وقف المحاصصة الوزارية على أسس دينية طائفية قبلية، ووقف الشعور لدى الغالبية بأن انتماءهم للقبيلة أو الطائفة، أو الحزب الديني هو الطريق الوحيد للحصول على الترقية، والمنصب الوزاري، وهو الشعور الذي ترسخ مع تشكيل الوزارة الأخيرة، حيث كان لكل طرف تقريبا قطعة من الكيكة، وهذا عمق الشعور أكثر بأن الانتماء الطائفي القبلي هو الأساس، وليس الكفاءة، أو الانتماء للوطن.
كما تزايدت مؤخرا ظاهرة إعلان عدد من طلبة الجامعة، عن طريق مختلف وسائل التواصل، عن اختيار قبائلهم لهم لخوض الانتخابات الطلابية، داخل الكويت وخارجها!
إن السكوت عن مثل هذه الممارسات يرسخ القبلية أكثر، ويهمش دور الدولة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top