الكذب في مجتمعاتنا

حالة النفاق الاجتماعي التي تعيشها مجتمعاتنا تجعلنا نستسهل أو نستمرئ، وغالباً نستحسن الكذب، ونصفه بـ«ملح الرجال». ومن واقع تجارب شخصية، أستطيع القول إننا أكثر شعوب العالم ممارسة وتقبلاً له، وسبق لي أن تطرقت إلى السبب في مقال نشر قبل 15 عاماً، ويستحسن العودة إليه ثانية.
نحن نتميز بالمبالغة في الاعتداد بالنفس، و«من يرشنا بالماء نرشه بالدم». ولا يميل الكثيرون للاعتراف بالخطأ، ويعتبرونه نقيصة، ونتستر على نقاط ضعفنا، ونحسب كثيراً لكلام الناس ولآرائهم فينا، خاصة ما يتعلق منها بالأعراف والتقاليد والواجبات الدينية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى مطلوب من المسلمين، أكثر من غيرهم، أداء مجموعة من الطقوس اليومية والموسمية، التي لا يمارسها الآخرون، هذا إضافة إلى ضرورة التزامهم بقائمة طويلة من النواهي والمحرمات. وحيث إن أداء تلك الواجبات الدينية بصورة يومية والابتعاد عن النواهي ليس بالأمر السهل على الكثيرين، خاصة للمغترب والمسافر، وسكان المدن الكبيرة، حيث الحياة أكثر تحرراً والمغريات أكثر توافراً، لذا نجد ميل نسبة كبيرة للكذب إن سألوا عن مدى تقيدهم بالواجبات الدينية، إن بسبب الضغوط الاجتماعية التي تنهي عن الجهر بالمعصية، أو تجنباً لتكدير خاطر السائل، خاصة من الوالدين أو الأكبر سناً. فالذي لا يصوم يفضل الادعاء بأنه صائم، فالكذب هنا هو السبيل للتخلص من الإحراج الاجتماعي والأسري، ومع الوقت يصبح الكذب أمراً مقبولاً وعادة يصعب الفكاك منها.
أما باقي البشر، ونسبتهم أكثر من %75 فمعاقرة الخمر بالنسبة إليهم وأكل المحرمات ولعب القمار والتعامل بالربا، وإقامة العلاقات الجنسية غير الشرعية، وغيرها تبقى عادات سيئة ورذائل أخلاقية لا علاقة للدين غالباً بها، ومن يرتكبها تنعكس عليه وعلى سمعته، وهو غالباً غير مجبر للكذب للتغطية عليها. كما أن الواجبات الدينية تؤدى من دون ضغوط اجتماعية غالباً، ولا تترتب على تاركها تبعات اجتماعية أو تلصق به سمعة سيئة وبأنه «لا يصلي ولا يصوم»!
وهكذا نرى أن ‏خوفنا ‏من كلام الناس، ومن الجهر بسوء عاداتنا، أو عدم أداء فرائضنا الدينية يدفعنا إلى التغطية عليها بالكذب، الذي يصبح مع الوقت جزءاً من «ثقافة المجتمع». وما يجعل الأمر أكثر تعقيداً اختلاف المسلمين على ما هو حلال وما هو حرام. فالحجاب مثلا مسألة خلافية بين المسلم الأفغاني والآخر اللبناني. وفوائد البنوك شرعية في إيران وشبه محرمة في غيرها، وهكذا مع الطعام وطقوس الزواج والموت والميلاد، وأداء المعاملات التجارية والمصرفية، وحكم الاختلاط بغير المسلم ومشاركته طعامه، ومشاهدة برامج التلفزيون وأفلام السينما، وقراءة المجلات «الفنية»، وممارسة الألعاب الرياضية، التي لكل فرد تقريباً موقف منها، بحيث يستحيل وجود مسلمَين اثنين يتفقان دينياً بصورة كاملة.

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top