جديع والوافدون

كل من تهجّم على الوافدين في الكويت، وانتقد مزاحمتهم للمواطن في الوظائف، هو حاقد وعاجز عن فعل شيء إيجابي.
قد يكون باحثاً عن الشهرة، ومتكسباً لأصوات الجهلة والغوغاء، وهو لا شك مدرك أن هؤلاء لم يأتوا إلينا عنوة، ولم يدخلوا علينا غزاة، ولم يفرضوا قبولهم، ويقتحموا منافذنا البرية والجوية، ويجبرونا على فحصهم صحيا، والكشف عليهم أمنيا، ثم وضع ملصق الإقامة على جوازاتهم، بل نحن الذين فعلنا كل ذلك، وقبلنا بهم، بسبب عجزنا أو «ترفّعنا» أو فشلنا في القيام بالمهام التي تحتاج لسواعد أحيانا، ولعقول أحيان أكثر، ولما بين هذه وتلك من مهام لا نعرف كيف نقوم بها!
فالدولة التي قامت في خمسينات القرن الماضي بافتتاح «المعهد الصناعي» في الشويخ الذي تخرج فيه مئات الفنيين الكويتيين، هي نفسها التي فشلت في رفد أي من مرافقنا حتى بواحد من هؤلاء، بعد أن صرفت عشرات الملايين على تدريبهم! وقد تضررت الدولة برمتها من هذا الفشل، وربما كان قطاع التعليم والنفط الأكثر تضررا!
كتب السيد أحمد العربيد، مقالاً في القبس (8/27) تحت عنوان «جديع المطيري، رجل بألف رجل»، ذكر فيه أنه التقى جديع، العامل الكويتي في شركة نفط الكويت، الذي كانت مهمته الطواف به على المرافق النفطية وتعريفه بها، وكيف أنه تعلم من ذلك العامل، شبه الأمي، الكثير الذي لم يتعلمه حتى في الجامعة الأميركية التي تخرج فيها، وفي نهاية المقال أشاد العربيد بجديع ووصفه بأنه بألف رجل! ولكن ماذا بعد؟
ترقى السيد العربيد تاليا، وأصبح رئيسا لمجلس إدارة شركة النفط، ورئيسا وعضوا منتدبا لشركات نفطية أخرى، ولكنه غالبا لم يفعل شيئا لا لجديع، ولا لمئات من أمثاله، الذين كانوا يعملون، بكل تفانٍ وإخلاص، في الشركة! وربما الذنب ليس ذنب العربيد بقدر ما كان ولا يزال ذنب الحكومة وسياسات الاستغناء عن خدمات المواطن، واستبدال ألف وافد به، تلبية لرغبات النواب والمتنفّذين في توظيف من «يحبون»!
إن قصة جديع جميلة ومؤثرة، ولكنها لم تدفع لا العربيد، ولا غيره من رؤساء الشركات والوزراء إلى وضع البرامج المناسبة والعملية لتدريب الكوادر الوطنية ضمن برامج طويلة الأمد، وليس «الكروتة» والاستعجال الذي أصبحنا نراه في وضع المواطن بمكان المقيم، من دون تأهيل وتدريب مناسبين، كما حدث في برنامج خالد المسعود المتعلق بتكويت التعليم، فكانت النتيجة كارثية، ولا نزال ندفع ثمنها، ونتمنى ألا يتكرر الخطأ نفسه في مشروع الوزير العزب، المتعلّق باختصار مدة وكلاء النيابة واستعجال ترقيتهم إلى قضاة.
نعم، كان جديع بألف رجل، وبالتالي كان عليه أن يرحل لكي يمكن توظيف «الألف» مكانه!
الطريف أو المحزن أن السيد العربيد كان وراء فكرة جعل الكويت «عاصمة النفط في العالم»، وما ذكره من أن ذلك يعتمد في الدرجة الأولى على العنصر البشري الوطني ليكون ركيزة التنمية في السنوات المقبلة! ولكنه ربما نسي أنه سبق أن ضحّى بجديع وغيره، واستبدل وافدين بهم، ربما إرضاء لطموحاته، أو استجابة لضغوط حزبه الديني السياسي، أو الحكومة والنواب عليه.
* الخلاصة: إن التنظير جميل، وتسطير المقالات سهل، واستعراض العضلات الإدارية أكثر سهولة، ولكن العبرة في التطبيق!

 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top