تخلفنا والاستعمار

لا شك أن الدول الاستعمارية المكشوفة، كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، والمخفية كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، سابقا، وغيرها، لم تقم باحتلال دول العالم بطريقة مباشرة أو بغيرها، من أجل تقديم العون لشعوبها أو رفع مستواهم التعليمي والثقافي والصحي، بل استعمرتها من أجل ما لديها من ثروات هائلة، معدنية وطبيعية. وبالتالي فمن المشروع تسطير المعلقات والملتصقات في التهجم على القوى الاستعمارية، ونعتها بكل صفة قبيحة، فهذا حق لكل من تعرّض للاستعمار، وما نتج عنه من قتل ونفي وإذلال واستغلال بشع لا يمكن، في أحيان كثيرة، تخيل قسوته.

لكن من جانب آخر، لو كان بمقدور الدول التي تعرضت للاستعمار، استعمار غيرها لما ترددت. فقبل أن تتعرض مصر مثلاً للغزو النابليوني، ومن بعده البريطاني، كانت هي الغازية، في عهد محمد علي، للبنان وسوريا وأراضي نجد. كما مارست الجيوش العربية المسلمة الامر ذاته في مناطق عدة من أوروبا، قبل أن تنسحب منها وتحتفظ بحكم اسبانيا لأكثر من 900 عام! ولا ننسى مرحلة الخلافة العثمانية التي شمل توسعها عشرات الدول، في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي استمر قرابة أربعة قرون!

وبالتالي.. فإن قصة «نهب ثروات الشعوب»، ليست جديدة، وليست قاصرة على الاستعمار الغربي، بل هي عملية مستمرة، خاصة بشكلها الرأسمالي الحديث، ولم يضع لشكلها العسكري إلا مقاومة الشعوب المضطهدة له، وعي مفكري الغرب بأهمية حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، والإيمان بحقوق الإنسان، الذي تضمنه الإعلان العالمي، الذي لا تزال «كافة» الدول التي تعرضت للاستعمار، بالذات، لا تعرف، أو لا تطبق أجزاء كبيرة منه.

من جانب آخر، من الجحود إنكار حقيقة أن الاستعمار لم يكن سيئا في كل الأحوال، فأوضاع جميع الدول المستعرة، وفي كل المجالات، تأخرت وتدهورت بعد انسحاب الاستعمار منها. كما أن كل ثروتها تم اكتشافها من الدول الاستعمارية. فلولا الاستعمار لبقي نفط الخليج حتى اليوم في مكانه، والأسوأ من ذلك أنه بعد مرور ما يقارب السبعين عاما من اكتشافه، لا تزال دولنا لا تعرف كيف تستخرجه، أو تخزنه، أو تكرره أو تنقله وتبيعه دون الاستعانة بالدول الاستعمارية السابقة، وبما لديها من تكنولوجيا، علما بأنهم لم يمنعونا يوما من اكتساب تلك الخبرات، وبناء صناعاتنا النفطية المتكاملة، وخير دليل فشلنا في المشاركة في مشروع الداو، واضطرارنا الى دفع المليارات كغرامات، بسبب غبائنا!

ومثل آخر على تجنينا على الاستعمار، ونسيان ما نحن فيه من تخلف، وإلقاء كامل المسؤولية في تردي أحوالنا عليه، بالرغم من أنه غادرنا منذ عشرات السنين، مثال الهند. فوضع الهند اليوم يدحض كل الادعاءات، فقد استعمرتها بريطانيا لأكثر من مئة عام، ولكن ذلك لم يمنعها من ان تصبح مخزون العقول للعالم الغربي، وأن تكون في مقدمة الدول الصناعية، ومن القلة التي نجحت في ارتياد الفضاء.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top