السارق والمزور الغائب

الظواهر التي سأتكلم عنها ليست مقتصرة على دولة بحد ذاتها، بل تشمل غالبية الدول العربية والإسلامية، ولكنها تبدو أكثر حدة في الدول النفطية الثرية، وأكثر مدعاة للاستغراب.

فظاهرة الغش في الامتحانات الدراسية متفشية لدينا، والغش في الأغذية وتقديم وجبات مطاعم فاسدة أمر منتشر أيضا، ولا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع بضبطية هنا أو «كبسة» هناك. والغش في شهادات خلو عمال المطاعم وشركات التغذية من الأمراض المعدية أمر عادي، بالرغم من تأكد إصابة الكثيرين منهم بأمراض خطيرة معدية، ونشوب الحرائق في المخازن الحكومية ومشاريعها الإنشائية اصبح موسمياً، والغش في منح إجازات قيادة المركبات، حتى الثقيلة والخطيرة منها، ليس بالامر المستغرب، وتزوير أذون الزيارة والعمل للعمالة الوافدة أصبح «روتينيا» أكثر كشرب الماء البارد، ومخالفة قوانين المرور أصبح القاعدة وليس الاستثناء. وشراء الحكومات الولاء من أموال الشعب، إما من خلال توزيع حيازات زراعية أو أموال نقدية أو رخص تجارية أو إرسال ناخبي النواب لتلقي علاج الزكام في دول أوروبا، هو السائد، واصبح الغش والتلاعب في الجمعيات التعاونية أمرا شبه مقبول، وكذلك الامر في الجمعيات والمبرات المسماة بالخيرية لنهب أموال التبرعات أو التساهل مع سارقيها. كما لا يتورع الكثير من المواطنين «الطيبين» المصلين الصائمين عن مخالفة كل قانون، والاستيلاء على أملاك الدولة أمام بيوتهم، وتأجير سراديبها للتخزين، وتكليف نواب مناطقهم للتوسط لهم في إتمام كل معاملة مخالفة للقانون. هذا غير عشرات آلاف مخالفات البناء السنوية، وبيع المواد الغذائية المدعومة والأعلاف المدعومة في السوق السوداء، وسرقة وقت الدولة بالحضور للعمل متأخرين، والمغادرة قبل انتهاء العمل بساعات من دون الشعور بأي تأنيب ضمير!

ولكن، وآه من ولكن، قد يقول قائل ان هذه الظواهر لا تقتصر على الدول العربية والمسلمة فقط، بل تشمل غالبية دول العالم الكافرة والوثنية والمشركة، كالهند وتايلند والفلبين وغيرها. ولكن، مرة أخرى، هذه الدول لم تدعِ يوما أن مواطنيها أفضل البشر، ولا يتكالب شعبها على بناء أفخم دور العبادة في كل متر وشبر، ولا تكتظ «تنابلهم»، جمع temple، بالمصلين طوال العام، ولا تخلو أحياؤهم السكنية من البشر اثناء فترات إفطار رمضان والصلوات، كما يحدث في الدول الخليجية، ولا يتصارعون للحصول على كرسي فارغ على طائرة حجاج! وبالتالي من المستغرب جدا، أو العكس، أن نجد مساجدنا مكتظة، وخاصة في المناسبات الدينية، بملايين المصلين الخاشعين؟ والسؤال هو من الذي يرتكب كل هذه المخالفات والموبقات والسرقات؟ هذا سؤال نتركه لكم!

الارشيف

Back to Top