غزة.. ولكن!

ما تتعرض له غزة جريمة، وخاصة أن وقودها الأبرياء الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب العبثية، التي لا يبدو أن لها نهاية. ولكني في حيرة من الموقف من حركة حماس التي تدير القطاع منذ عشر سنوات تقريبا بيد من حديد، فكيف يمكن أن اقبل خطفها لشبان إسرائيليين ثلاثة، ونكران ذلك، ثم الاعتراف بأنها قتلتهم، وهي التي كان بوسعها مقايضتهم بالكثير؟

وكيف يمكن أن أقبل قيامها، منذ أن استولت على القطاع، بإعدام عشرات الفلسطينيين، بين الفترة والأخرى، من دون محاكمة، حتى ولو صورية، بحجة أنهم خونة؟ وكيف يمكن أن اقتنع أن الخونة قد انتهوا بإعدام 18فلسطينياً في يوم واحد؟ فهل تساءل أحد عن السبب في وجود كل هذا العدد الكبير من «الخونة» في القطاع، على افتراض صحة الاتهام؟

وما الذي تتوقعه حماس، والحرب العبثية بينها وبين إسرائيل تلقي في كل مرة بمئات الأيتام الذين قتلت تلك الحروب آباءهم ومعيليهم، واصبحوا عاجزين عن كسب لقمة العيش بطريقة شريفة؟ فهل الخائن من لم يجد لقمة عيش، أم من تسبب في قتل والده وامه واخيه ورماه، من دون بيت ولا عمل ولا طعام، في الشارع، ثم يأتي بعدها ويتهمه بالخيانة ويقوم بإعدامه من دون محاكمة؟

المفارقة المؤلمة كانت في تزامن العدوان الإسرائيلي على غزة، أو بالأحرى عدوان حماس عليها، مع عدوان «داعش» البربري على مسيحيي وايزيديي الموصل وسنجار. فقد عرى الموقف من الجريمتين «أقفية» الكثيرين من المتشدقين بالليبرالية والإنسانية، دعك من غيرهم، وهي ليست المرة الأولى. فقد وقف غالبية هؤلاء مع مأساة أهالي غزة، التي بدأت مع عملية الاختطاف، ولكن مأساة مسيحيي العراق وايزيدييه، الأشد وطأة والأقسى نتائج وغير المبررة تماما، لم تلق من هؤلاء أي إدانة فعالة تذكر، وكأن الإنسان الفلسطيني هو غير الإنسان العراقي! وبالتالي طالت معلقاتنا، وكثرت مانشيتات صحفنا، في الحديث عن المجازر الإسرائيلية في حق أهالي غزة، ولكنها سكتت، أو اكتفت بالتلميح إلى مجازر أكثر فظاعة والأقسى في التاريخ الحديث، وهي التي تعرضت لها الأقليات في العراق.

أعلم جيدا انني لا استطيع ان أكون إنسانا، وبمستوى الحدث تجاه ما يحدث في غزة، إن عجزت أن أكون إنسانا بالدرجة نفسها مع ما حدث لمسيحيي العراق وايزيدييه. فالقتلة مجرمون في غزة، كما هم مجرمون في العراق، ولكن هل الأخيرون حقا مجرمون؟

الارشيف

Back to Top