الشق العميق في الوادي السحيق

لدينا، مقارنة بعدد السكان، أكبر نسبة من رجال الدين في العالم، ينتمون لكل عقيدة ومذهب. ولا ينافسهم في العدد غير كثرة دور العبادة، التي تنتشر في كل مكان، بحيث أصبح بعضها يزيد على حاجة أي منطقة سكنية أو تجارية.

كما لا تشكو المناهج المدرسية في التعليم العام أو الخاص من كثرة المواد الدينية، التي أصبح وقت التلميذ والطالب الدراسي متخما بها.

كما لا يمكن أن نخفي ارتفاع دخل الفرد في الكويت، والذي قد يكون الدخل الثالث او الرابع الأعلى في العالم. كما لا توجد في الكويت بطالة، لمن يود حقا العمل. كما توفر الحكومة خدمات عدة للمواطن، مع كل مآخذنا عليها، وتقوم فوق ذلك بدعم مواد كثيرة، حتى أعلاف الماشية.

ولكن، بالرغم من كل هذه المظاهر الدينية، والثراء النقدي والدخل الفردي المرتفع وتوافر الوظائف وفرص التجارة والعمل الحر للجميع تقريبا، مع غياب تام لأي نظام ضرائبي معيق، إلا أننا لا نجد للكويت مكانا، ولو قريبا من الخمسين دولة الأكثر أمانا في العالم! ففي مؤشر السلام والأمان العالمي، تأتي دول كالدانمرك ونيوزيلندا وفنلندا في المقدمة، «دافشة» الكويت لمستويات أدنى بكثير! فما السبب في ذلك ما دمنا نمتلك، حسب فهمنا، كل مقومات الأمن والأمان، خاصة أن الكويت كانت، قبل أن تغزوها المظاهر الدينية المخادعة، وحتى ستينات القرن الماضي، واحة أمان، عندما كان أصحاب محال الخضار أو المكسرات وغيرهم يكتفون بتغطية بضائعهم المعروضة بقطع قماش بسيطة، ويغيبون عنها لساعات، لتناول الغداء أو لأخذ قيلولة، من دون الخوف عليها من السرقة؟

الجواب هو أن كثرة دور العبادة أو الزيادة في عدد رجال الدين، أو ارتفاع دخل الفرد وتوافر الوظائف لا تكفي جميعها لخلق بيئة أمينة وآمنة، وأن المسألة تتعلق بالأخلاق، وهذه لا يمكن اكتسابها إلا من البيت، بوجود قدوة صالحة في الأبوين، ولو بحدودها الدنيا، ومن ثم تكريس تلك القدوة أو الأمانة من خلال مناهج دراسية تتعلق بالأخلاق! ولكن ما نلاحظه اليوم هو غياب القدوة في غالبية الأسر أو «العائلات» الكويتية، وغياب تام للمادة الأخلاقية من مناهج المدارس، والحكومية منها بالذات، وهذا ما أوصلنا لهذا الدرك الخلقي المتواضع الذي نحن فيه!

وفي السياق نفسه، نجد أن الدول الإسلامية هي غالبا الوحيدة في العالم التي لديها هوس عقد مؤتمرات قمة دينية بين الفترة والأخرى. وبالرغم من تعدد تلك المؤتمرات، فإن أيا منها لم يتمخض يوماً عن شيء حيوي، ولا أعتقد أن القائمين عليها سيفكرون يوماً بسؤال أنفسهم عن سبب تدهور الأخلاق في المجتمعات العربية والإسلامية، مع كل ما لدينا من «مظاهر دينية»، وربما الدعوة للعكس تكون أقرب للصحة.

الارشيف

Back to Top