الشباب ِِ إلى الجحيم؟

كل ما تراه حولك من عقارات وعمارات تناطح السحاب، ومسارح ودور سينما ومصانع ومؤسسات محلية وعالمية ووكالات محركات وسيارات وشركات مقاولات واسمدة ونترات وآبار بترول ومشتقات ودور عبادة وطرق سريعة وتصوينات ومتاحف وقصور وفيلات، كلها امور تافهة توجد في كل دولة، ويمكن لعدد قليل جدا من الشركات الاميركية او اليابانية العملاقة ان تشتريها بما هو متوفر تحت يديها من اموال وتسهيلاتِ ولكن ما لا تستطيع هذه الشركات وتلك الدولة شراءه بسهولة ويسر من مالها، هو الانسان المثقف المتعلم، النابغة الذكي النادر، الشاب القوي!! فهو عماد الامم وسندها وامل اية دولة تتمنى ان يكون لها دور في هذا العالم الذي يزيد عدد سكانه كل يوم ويصغر في الوقت نفسه حجمه في كل دقيقة.
ولو نظرنا وتساءلنا حقيقة عما قدمناه للشباب في العقود الخمسة الماضية لوجدنا اننا كنا الاكرم والاحسن ميزانية وصرفا وبذخا على الشباب!! ولكن لو تفحصنا نتيجة ذلك الصرف والبذخ لوجدنا ان النتيجة بصراحة مؤلمة لا تعدو ان تكون صفرا كبيراِ فلا شيء يستحق الذكر ويرفع الرأس، باستثناء محاولات قليلة هنا وهناك، ونتيجة لمبادرات فردية بحتةِ فلا نزال الافقر على الاطلاق في نوعية ومستوى مخرجات التعليم، ولا يزال المستوى التعليمي والخلقي العام دون المستوى المطلوب بكثيرِ ولا نزال، وسنبقى، ربما لقرون مقبلة، نعتمد على النجار والسباك واللحام ومهندس الكمبيوتر والمهندس المدني والمعماري وطبيب الاسنان والجراح والنفسي والجلدي والتدليك ومهندس وعامل البترول والصيدلي والكيميائي وسائق الشاحنة وكتبة الحسابات ومسجلي البيانات وقارئي العدادات ومصلحي العدادات ومركبي المحولات وفنيي الصيانة والتبريد وتعبيد الطرق ومبرمجي الكمبيوتر وخبراء المحاسبة والقانونيين والمؤلفين والشعراء والصحافيين والادباء والفنانين ومصلحي الساعات والسيارات ومدراء المستشفيات والكراجات والبنائين وعمال ذبح المواشي ورعاة الغنم ومربي الدواجن والمعالجين بالقرآن وقارئي الكف وأئمة المساجد والمؤذنين ومفسري النصوص ومصوري الوجوه والاجساد ومحمضي الافلام والدهانين وموظفي الاحصاء والمدرسين والمدرسات وآلاف الوظائف الاخرى، فقد فشلنا في سد النقص في اي قطاع من قطاعات العمل عدا قطاع الجلوس في الديوانية، فالاعداد دائما متوفرة، وفي النيابة عن الامة حيث اننا لدينا دائما اكثر من 500 مرشح على استعداد لدخول المعركة للفوز بخمسين كرسيا!! والغريب اننا، وبعد مرور اكثر من خمسة عقود على تجربة التعليم، ولا نزال نصر على ارسال مئات الطلبة الى ابعد الدول واكثرها غلاء لدراسة مجموعة من المواد التي لسنا بحاجة لأن يتخصص في الغالب منها احدِ فالجامعات العربية والاجنبية، اضافة الى جامعة الكويت، لم تتوقف يوما عن 'ضخ' آلاف الطلبة الى سوق العمل وبتخصصات، الدولة والجهاز الوظيفي وظروف البلد وما يواجهه الوطن من تحديات، ليس بحاجة لغالبيتها.
لقد رأينا، وطوال سنوات، كيف اصبح لدينا وزارة للتعليم العالي ووزير متفرغ ووكيل او وكيلة اكثر تفرغا يساندهم طاقم عظيم من الوكلاء المساعدين والمدراء العامين والمدراء غير العامين والمراقبين ورؤساء الاقسام وجيش من الموظفين والكتبة والسعاة والفراشين ومبنى مرتفع عظيم الشأنِ ولكن، على الرغم من كل ذلك، اساء غالبيتهم توجيه واستغلال واستثمار اعظم ثروة نملكها اما بسبب غياب المعرفة والدراية بما هو مطلوب او الاهمال او الاحباط والشعور بالعجز عن فعل شيء في هذا البحر المتلاطم من الفوضى والتسيب العارمين!!.
لقد انشأنا مجلسا اعلى للمرور وآخر للتخطيط وثالثا للدفاع ورابعا للبترول وخامسا للتعليم وامانة عامة للاوقاف وهيكلا عظيما للافتاء ولجنة استشارية عليا لتطبيق الشريعة ولجنة وطنية للاسرى وهيئة عامة للاسكان، واخرى للرياضة وثالثة للتعويضات ورابعة للثقافة والفنون، ولم ننس في كل هذا الخضم الحيوانات الاليفة من بقر وغنم واعلاف، حيث انشأنا لها هيئة عامة للاهتمام برفاهيتها!! وجميع هذه المؤسسات لا تعني شيئا إن لم يتقدم عليها امر الاهتمام بثروة البلاد الحقيقية!! فما اهمية توفير السكن، إن لم نؤهل منذ اليوم الاول من سيسكن في هذه البيوت؟! وما فائدة البترول، إن لم يسخر ريعه للصرف على تنمية ثروة البلاد الحقيقية؟! وما حاجتي للتخطيط، إن لم يهتم بتخطيط مستقبل الاجيال القادمة من الشباب؟!.
لقد شاركنا جميعا في تدمير هذه الثروة العظيمة عندما سكتنا عن موازنات التربية وطريقة صرفها ومخرجات التعليم ونوعيتهاِ وسكتنا عندما حارب الجهلة منا إنشاء جامعة او جامعات اهلية في البلادِ ولم ننبس ببنت شفة عندما رفضت الحكومة المرة تلو الاخرى فكرة فتح فروع للجامعات الاجنبية لديناِ وانتخبنا المرة تلو الاخرى، وباصرار عجيب النوعية نفسها للنواب الذين ساهموا في تدهور وضع الشباب في هذا الوطن الصغير، وساهموا عن قصد ومن غير ذلك في زيادة تخلفهم العلمي والدراسي والخلقي، وسكتوا عن جريمة عدم اهتمام الجهات المعنية بأمورهمِ كما سكتنا جميعا (تقريبا) عن علاوة الاولاد التي كانت، ولا تزال تمنح، بلا حدود لكل طفل جديد!! وهو الامر الذي شجع الآلاف من معدومي الضمير لكي 'يبزروا' ويرموا في الشوارع والطرقات بالعشرات من المواليد الجددِِ وكل همهم زيادة دخلهم الشخصي بتلك الدنانير التافهة التي تمنح لهم عن كل طفل!.
عم نكتب؟ ولمن نكتب؟ وماذا نغطي؟ وماذا نترك؟ ومن يسمع ومن 'يطنش' ومن يتعظ ومن يتجاهل؟ فالحرارة عالية والدنيا صيف والكل نائمِِ وفي القلب غصة وفي الفم ماء وفي العقل دوشة، اما الشباب فما عليهم الا انتظار المعجزات؟!.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top