كيف تنتحر الأوطان؟

عرف بثقافته العالية ودماثة خلقه، كما اشتهر بابتسامته وحبه للاختلاط بالغير والتعرف عليهم وعلى ثقافاتهمِ نجح في عمله كأكاديمي، وكمعلم صاحب حجة واضحة وصوت اكثر وضوحاِ وبسبب مزاياه العديدة لم يرتفع صوت واحد معترضا على اختياره رئيسا للمكتب الاعلامي في واشنطن، في وقت نحن احوج ما نكون فيه لوجود شخص في مثل كفاءته وعلمه وبلاغته وقوة حجته في ذلك المنصب الحساس.
هذا هو السيد شفيق الغبرا.
لا اعتقد ان هناك مسؤولا فلسطينيا واحدا لم يقابل او يصافح او 'يبوس' او يشارك او يحاور او يناقش او يجادل او يتحدى او 'يعانق بحرارة واضحة' مسؤولا اسرائىليا او يهوديا آخر!! وعليه، فمن السخف ان نصر على ان نكون ملكيين اكثر من الملك نفسهِ فدولة اسرائىل، وبقرار دولي وبدعم اوروبي واميركي، وبموافقة فلسطينية رسمية وشعبية، وجدت لتبقىِ وحيث ان عددا من الدول العربية المهمة جدا، والفلسطينيون بالذات، قد اعترفوا بوجودها، وحيث ان هناك فارقا حضاريا وعسكريا ولوجستيا يفصلنا عنها، ويجعل مسألة الدخول في حرب تقليدية معها مسألة يكتنفها الكثير من المخاطر المنظورة وغير المنظورة، فإن من المهم التركيز على المخرج الاخر والوحيد المتاح امامنا الذي يمكن عن طريقه حقن الدماء ووقف نزيف وتخلف امة كاملة، الا وهو الجلوس مع الاسرائيليين على مائدة مفاوضات واحدة، وهذا هو القرار الذي توصلت اليه غالبية دول العالم، وهو القرار نفسه الذي قبلت به القيادة الفلسطينية، بجناحيها المتطرف والمعتدل.
ومن هذا يتبين لنا ان موضوع الاتصال بمسؤولين اسرائيليين، سابقين او حاليين، وحتى لاحقين، مسألة غاية في الاهمية من اجل الوصول الى حل للقضية الفلسطينية، يضع حدا لمعاناة ملايين اللاجئين الذين اصبحنا بالكاد نعرف عنهم شيئا، او بالاصح نود ان نعرف عنهم شيئا!!.
ان ما قام به السيد شفيق الغبرا، رئىس المكتب الاعلامي في واشنطن، لم يخرج عن اطار الجهود الحثيثة التي تقوم بها مختلف الاطراف، وبالذات القيادات الفلسطينية، لوقف النزيف الدموي وانقاذ مئات، لا بل آلاف الارواح البريئة، والتوصل الى حل ما لهذه المشكلة التي مر نصف قرن عليها وهي في تدهور مستمر.
لم يقم السيد الغبرا بإلغاء احد، ولم يقل بان علينا التفاوض مع من لا نحب، ولم يدخل في معاهدات صلح مع من نكره، بل قام، ومن منطلق خلفيته الاكاديمية، بعمل اعتقد، وهو المدرك والحصيف، بان لا مساس فيه بكرامته وكرامة أمته.
لقد ابلى احسن البلاء في عمله، وكان ولا يزال اعلم من غيره لما وصلت اليه حال الشعب الفلسطيني من بؤس وتخلف وفقر ومرضِ اما ما يقوم به البعض من متاجرة بالقضية والمزايدة عليها من فلل فخمة في كيفان، والادلاء بتصريحات صحفية من خلال هواتف نقالة والتحدث للاذاعة من كراسي الدرجة الاولى في رحلة الاستجمام المتجهة الى القاهرة او بيروت فهو عبث وضياع وقت وقلة مسؤولية!!.
من المؤسف حقا ان يدفع الرجل ضريبة اخلاصه في عمله، واجتهاده في القيام بواجباتهِ ولو اكتفى بالجلوس وراء مكتبه، وانتظر نهاية كل شهر لما التفت اليه احد، ولكنه، بسبب اخلاصه وتفانيه، مجبر على دفع الضريبة التي يجب ان يدفعها كل من يعمل.
هناك امم تزدهر كل يوم وتعود اكثر حيوية وشباباِ وهنالك امم خاملة لا تفعل شيئا بانتظار الموتِ وهناك امم تنتحر ببطء، اما الامم التي يلتفت فيها كبار مسؤوليها لاصوات الجهل والتخلف، وتحارب علماءها ومثقفيها، فإنها امم تنتحر بسرعة ومصيرها الزوال!!
فأين موقعنا من امم الارض؟.
***
ملاحظة:
في اوج الحرب اليمنية انتشرت تشنيعة تقول ان اليمنيين الجمهوريين سيحاربون الملكيين الى آخر قطرة دم 'مصرية' الآن، يبدو ان الجماعة في الامانة العامة لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، من الكويتيين بالذات، سيحاربون اليهود حتى آخر نقطة دم 'فلسطينية'!.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top