يا فلسطين جينا لك

 لقد كررنا هذا الشعار ملايين المرات وعلى مدى نصف قرن، وبحت أصواتنا بعد ان جفت حناجرنا ونحن نعد فلسطين بأننا ذاهبون لتحريرها، ولكن لم نقم أثناءها بفعل شيء سوى ربط أنفسنا بمختلف المواد والأدوات ليستحيل علينا التحركِِ'!.

تعتبر الأشعار أو القصائد الوطنية والحماسية والسياسية من أقصر انواع الشعر عمرا، فهي عادة ما ترتبط بمناسبة معينة ويطويها النسيان بمرور تلك المناسبة أو بانتهاء الغرض أو الهدف الحماسي الذي قيلت من أجله، ينطبق هذا الأمر على كافة الشعوب ماعدانا نحن، فلاتزال قصائدنا الحماسية وأناشيدنا الوطنية وخطبنا النارية، منذ أكثر من نصف قرن، تحمل القوة والزخم نفسيهما اللذين حملتهما يوم قيلت فيه في ذلك الميدان الشعبي أو في تلك المسيرة الضخمة، كما أن موضوعاتها التي لم تخرج عن نطاق التنديد بالاستعمار والصهيونية العالمية وطلب الموت والزوال لاسرائيل وأعداء الأمة، لم تزل كما هي دون تغيير، وبامكان أي كان العودة إلى أي قصيدة او بيت شعر حماسي أو خطبة عصماء سبق أن قيلت قبل عقود من السنين في مناسبة وطنية أو تظاهرة شعبية واعادة القائها في أي جمع جماهيري دون الحاجة لتغيير كلمة هنا أو تحريك نقطة هناك، كما أنها ستتلقى الحماس نفسه الذي لقيته يوم ألقيت فيه قبل 30 أو 40 عاما.
إن عملية الاجترار التي تقوم بها جموع الأمة منذ قرون، والتي تشمل مجمل أفكارنا السياسية وقضايانا الوطنية، سواء على المستوى الاقليمي او القطري أو الأممي، قد أصابتنا بمجموعة من الامراض قد لا تكون البلادة وقلة الاكتراث أخطرها.
ولو قمنا بمراجعة كم الخطب والشعارات والقصائد الشعرية التي ألقيت في آلاف المناسبات والمظاهرات والمسيرات الشعبية والحكومية الرسمية، سواء العفوية منها أو التي تمت بأوامر من المهيب أو العقيد أو الزعيم، لوجدنا أمامنا أطنانا من الورق الذي كتبت عليه تلك الخطب والقصائد الشعرية، وأطنانا أخرى، اكبر واضخم، من الاشرطة التسجيلية والسينمائية والتلفزيونية التي صورت وسجلت هذه المناسبات، على مدى الفترة من نهاية الاربعينات من القرن الماضي، حتى اليوم، ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين، وحالنا وأحوالنا أسوأ بكثير مما كانت عليه يوم أعلن بن غوريون عن قيام دولة اسرائيل، فأوضاع مختلف دول المنطقة السياسية والاجتماعية هي الأسوأ في العالم، مقارنة بالكثير من الدول المتقدمة الاخرى التي لم تكن موجودة أو لم يعلم أحد بوجودها قبل نصف قرن، ككوريا وتايوان وسنغافورة، عندما كنا سلة غذاء عالمية!.
الأمر يحتاج الى 'وقفة نفس' والتساؤل عن الأسباب التي أدت الى وصولنا الى هذا الدرك الاسفل من بين شعوب الارض، بالرغم من امتلاكنا للتراث الشعبي والديني والأرض الواسعة التي تمتد في أكثر من قارة، وتغطي العديد من خطوط الطول والعرض وبدرجات حرارة متفاوتة بين ما تحت الصفر بكثير الى ما فوق الخمسين بكثير ايضا، ولدينا بحيرات وأنهار على ضفافها قامت حضارات سومرية وكلدانية وفينيقية وفرعونية، ولدينا مختلف الموارد الطبيعية والمعادن وعشرات السهول ومئات الجبال وآلاف الوديان، وتجاوزت أعدادنا مئات الملايين من 'البشر'!.
بعد ان انتهيت من كتابة هذا المقال تبين لي أن 'وقفة النفس' التي طالبت بها غير ذات جدوى، فالأمر أخطر من ذلك بكثير ويتطلب نسفا لا نفسا!.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top