محكم الآراء الشرعية

عالميا واخلاقيا ومنطقيا، وحتى انسانيا، من حق اي اجير او موظف او حتى مسؤول كبير الاضراب عن العمل لأي سبب يراه منطقيا من وجهة نظره، سواء للاحتجاج على وضع معين او للمطالبة بأمر يراه من حقهِ هكذا فعل مسؤولون كبار في الحكومة لأكثر من مرة، وصدر ما يماثله من رؤساء وزراء في لبنان ودول اخرىِ وعليه فان ما صرح به السيد محمد الطبطبائي، عميد كلية الشريعة في جامعة الكويت، ل 'القبس' قبل ايام من ان الاضراب عن العمل هو نوع من انواع التمرد والعصيان على ولي الامر، وهو محرم شرعا، وان الاضراب من اجل زيادة الاجر مظهر من مظاهر التمسك بحطام الدنيا الفانية امر يتطلب التوقف عنده، حيث لا نعرف حقيقة من اين انطلق السيد الطبطبائي في احكامه هذه، وكيف اتى بمثل هذه الافكار، وكيف اجاز لنفسه اصدارها، ومنذ متى نهى الشرع، وبأي نص وفي اي كتاب، حرم الاضراب؟ِِ فلا تحريم بلا نص.
فان كان عميد 'الشريعة' يتجاهل هذه القاعدة الفقهية فماذا ترك 'للبسطاء' من امثالنا؟!
ان دستور الدولة كفل للمواطنين مختلف انواع الحريات، ومنها حرية تأسيس الجمعيات والنقابات للدفاع عن حقوقهمِ ومن حق اي طرف، فردا كان أو مؤسسة، الاضراب، او الدعوة الى الاضراب، متى قام باستنفاد كافة وسائل الضغط الاخرى، سواء للحصول على حقوق مادية او للمطالبة بتعديل اوضاع صحية او امنية خطيرة.
وعليه، فان اي حديث عن علاقة الشرع بالموضوع لا محل له من الاعرابِ اما القول ان المطالبة بزيادة الاجر ما هي الا نوع من التمسك بحطام الدنيا الفانية فانه قول غريب حقا، والاغرب من ذلك صدوره عن 'عميد' كلية جامعيةِ وربما يبرر صدور مثل هذه الاقوال ما سبق ان طالبنا به وطالب به غيرنا من ضرورة اغلاق كلية الشريعة بسبب الاغراق الذي يعانيه سوق العمل، او سوق البطالة بالاحرى، من خريجي هذه الكلية.
ان السنوات الطوال التي قضيناها كموظفين في اسفل سلم الرواتب، ومئات الموظفين الذين انتهى الامر بنا بعد سنوات للاشراف عليهم وتقرير مصيرهم، والذين تصادف انتماؤهم إلى أكثر من سبعين جنسية مختلفة، قد بينت لنا، بما لا يدع مجالا للشك، ان الراتب او المردود المادي من اي عمل، هو محور اهتمام الجميع من اي جنسية كانوا وإلى أي ديانة انتموا.
ويمكن القول ان الراتب يحدد في نهاية الامر المكانة الوظيفية او الاجتماعية لصاحبه، ويؤثر احيانا على طبيعة عمله بصورة غير مباشرةِ كما ان التمسك بحق الحصول على الراتب العادل لا يختلف كثيرا، ان لم يزد في اهميته بكثير، عن الاصرار على التمسك بلقب عميد الكلية او الأستاذ الدكتور او الاصرار على لبس 'البشت' في مختلف المناسبات، حيث يمكن اعتبار كل هذه الامور نوعا من 'اظهار التمسك بحطام هذه الدنيا الفانية'!!
نقول ذلك ونطلب الغفران لآرائنا وآراء السيد العميد.

الارشيف

Back to Top