سباق الخجل

ترفض جمهرة كبيرة من البسطاء والسذج فكرة تدخل سلطات الدول الاجنبية في شؤون دولنا الداخلية، والاسلامية منها بالذات، وتحديدا بعد 11/9، فقضايا حقوق الانسان الذي يعيش في دولنا، مواطنا كان أو غير ذلك، امر يخص حكوماتنا، ولا علاقة بالتالي للدول الاخرى به، وموضوع الاخذ بالاسلوب الديموقراطي في الحكم، او عكس ذلك، امر يتعلق بحقنا السيادي على شعوبنا، وليس للآخرين شأن به، كما ليس لهم منازعتنا في حقوقنا المتعلقة بوضع مناهجنا الدراسية، كل هذا جميل ويدعو الى الفخر والاعتزاز بالنفس، كما يدل على قوة 'عاداتنا وتقاليدنا' وحقنا في اختيار اسلوب حياتنا الذي يسير ويمشي، واحيانا يجري، على سنة معتقداتنا.
ولكن ما الذي نجحنا في تحقيقه طوال النصف الاخير من القرن الماضي، عندما تركنا خلالها، وقبلها بقرون عديدة، لحالنا؟ هل نستطيع الادعاء بان اوضاعنا، قبل التدخل، كانت احسن بكثير وانها كانت في تقدم مطرد؟ وهل يصح القول ان التدخل الخارجي زاد من سوء أوضاع حقوق الانسان في بلادنا، وان الديموقراطية التي كنا نتمتع بها ضاعت نتيجة لذلك التدخل الاجنبي أو الاميركي الارعن؟ ام ان ذلك التردي الذي اصابنا لم يكن الا نتيجة طبيعية لاننا تركنا، ونحن لم نبلغ سن الرشد، لحالنا؟
ربما يتفق معي البعض، وربما يختلف معي الاكثر في هذا، وكان من الممكن ان احدا يعترض، الى ان طالعت الخبر، الذي تصدر الصفحة الاولى لغالبية صحف الامس، والذي بين حقيقة اننا يجب ان لا نترك لحالنا!
فقد سبق ان قمنا من خلال هذه الزاوية، وقام زملاء آخرون مشكورين وعلى مدى سنوات اربع، بكتابة عدد من المقالات الاحتجاجية عن موضوع استمرار انتهاك حقوق الاطفال الذين يتم 'تهريبهم' من بلادهم واستغلالهم من قبل البعض منا ك 'جوكيه' في سباقات الهجن والمتاجرة بارواحهم لارضاء النزوات 'الرياضية' للبعض منا!
وطالبنا وزير الشؤون الاجتماعية الحالي، والذي سبقه، شفهيا وكتابيا، بضرورة التدخل ووضع حد لهذا الاستغلال البشع لهذه الفئة البريئة والمظلومة، ولكن تلك المطالبات لم تجد إلا بعضا من التجاوب من المسؤولين، الذين تحركوا، حسب تصريح وكيل وزارة الشؤون المساعد للصحف بالامس، وطالبوا 'الجهة' المختصة باقامة سباق الهجن بالتوقف عن استغلال اطفال صغار في سباقات الجمال!
ولكن، بسبب علمنا بقوة ونفوذ الجهات التي كانت، ولا تزال، تقف وراء سباقات الهجن، ومنها على سبيل المثال، ويا للسخرية المحزنة، الهيئة العليا المختصة برعاية الشباب، فان احتجاجاتنا لم تتوقف لشعورنا بان اوامر الوزارة وتعليماتها، سوف لن يلتفت إليها، خصوصا في حال تغير الوزير الحالي وانتقاله إلى منصب آخر!
ولكن ما ان ورد اسم الكويت في التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الاميركية المتعلق بالدول المنتهكة لحقوق الانسان، واتهامها بتهريب اطفال صغار للمشاركة في سباق الجمال، حتى تحركت اجهزة الحكومة الكويتية لنفي ما جاء في التقرير، ولتؤكد ان وزارة الشؤون ستقوم باتخاذ اجراءات صارمة بحق الجهات التي ستنتهك قراراتها وستحل مجالس اداراتها، ان هي اصرت على استغلال اطفال في تلك الرياضة!
وهكذا نجد اننا لا نزال بحاجة إلى تدخل جهة خارجية لتضبط بعض الاوضاع السائبة، التي عجزت اقلامنا واحتجاجاتنا الشفهية عن ايقافها.
فشكرا لتقرير وزارة خارجية اميركا والى مزيد من هذه التدخلات الايجابية في شؤوننا الداخلية، التي نتمنى من كل قلبنا ان تتوقف اليوم قبل الغد، ولكن ليس قبل ان نفهم كيفية التمييز بين ما نهوى وما نشتهي وبين ما هو حق انساني!
***
ملاحظة:
قامت وزارة الاعلام بمصادرة شريط فيديو مصور من قبل التلفزيون البريطاني ارسل الى الكويت بالبريد، لانه يكشف مخالفات سباق الهجن!
لا ادري لماذا نستحي من مشاهدة أو عرض شريط فيديو عن سباق الهجن، ولا نستحي في الوقت نفسه من اقامة تلك المسابقات علنا، وامام عدسات تلفزيوناتنا!! لا تعليق.

الارشيف

Back to Top